للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذكْرِ والمعرفةِ، واستدامتها بالقَلْب. اهـ.

وقوله تعالى: وَسَبِّحْ: معناه: قلْ سُبْحَانَ اللَّهِ، وقال قومٌ: معناه صَلِّ، والأول أصوبُ لأنه يناسب الذكْرَ، ويستغربُ مع امتناع الكلام مع النَّاسِ، والعَشِيُّ، في اللغة:

من زوالِ الشَّمْسِ إِلى مغيبها، والإِبْكَارُ: مصدرُ أَبْكَرَ الرَّجُلُ، إِذا بادر أمْرَهُ من لَدُنْ طلوع الفجر إِلى طلوع الشمْسِ، وتتمادَى البُكْرَة شَيْئاً بعد طلوع الشمس، يقال: أبكر الرجل وبكّر.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]

وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (٤٢) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)

وقوله تعالى: وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ: العامل في «إِذْ» : «اذكر» لأن هذه الآياتِ كلَّها إِنما هي إِخبارات بغَيْبٍ تدلُّ على نبوَّة نبيِّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، مَقْصِدُ ذِكْرها هو الأظهر في حِفْظِ رَوْنَقِ الكلام.

واصْطَفاكِ: معناه: تخيّرك لطاعته، وطَهَّرَكِ: معناه: من كُلِّ ما يَصِمُ النساء في خَلْقٍ، أو خُلُقٍ، أو دِينٍ قاله مجاهد وغيره «١» ، وقولُ الزَّجَّاجِ: قد جاء في التفْسير أنَّ معناه: طَهَّرك من الحَيْض والنفاسِ- يحتاج إلى سند قويّ، وما أحفظه، والْعالَمِينَ يحتملُ عَالَمَ زَمانها.

قال ع «٢» : وسائغ أنْ يتأوَّل عموم الاِصطفاء على العَالَمِينَ، وقد قال بعضُ الناس: إِن مريم نَبِيَّةٌ من أَجْلِ مخاطَبَةِ الملائكةِ لها، وجمهورُ النَّاسِ على أنها لم تنبّإ امرأة، واقْنُتِي معناه: اعبدي، وأَطِيعِي قاله الحَسَن وغيره «٣» ، ويحتمل أنْ يكون معناه:

أطِيلِي القيامَ في الصَّلاة، وهذا هو قولُ الجمهورِ، وهو المناسبُ في المعنى لقوله:

وَاسْجُدِي، وروى مجاهدٌ أنها لما خوطِبَتْ بهذا، قامَتْ حتى وَرِمَتْ قَدَماها، وروى الأوزاعيُّ: حتى سَالَ الدَّمُ والقَيْحُ من قَدَمَيْهَا، وروي أنَّ الطَّيْرَ كَانَتْ، تنزلُ على رَأْسِهَا تظُنُّها جَمَاداً.

واختلف المتأوِّلون، لِمَ قُدِّمَ السُّجودُ على الركوع.


(١) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٤٣٣) .
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٤٣٤) .
(٣) أخرجه الطبري (٣/ ٢٦٥) برقم (٧٠٤٦) ، وذكره ابن عطية (١/ ٤٣٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>