للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ١٥ الى ١٧]

لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧)

وقولُه تَعَالَى: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ... الآية، هذا مَثَلٌ لقريشٍ بِقَوْمٍ أنْعَمَ الله عَليهمْ فَلَمْ يَشْكُروا فَانْتَقَمَ مِنْهُم، أي: فأنتم أيّها القوم مثلهم، وسبأ هُنا يراد بهِ القَبِيلُ، واخْتُلِفَ: لِمَ سُمِّي القَبِيلُ بِذلك؟ فَقَالَت فِرْقَةٌ: هُو اسْمُ امْرَأةٍ.

وقِيلَ: اسْمُ مَوْضِعٍ سُمِّيَ بِهِ القَبِيلُ، وقَالَ الجُمْهُورُ: هُوَ اسْمُ رَجُلٍ، هُو أَبُو القَبِيلُ كُلِّه، وفِيهِ حَدِيثُ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ المتقدّمُ في «سورة النّمل» خرّجه الترمذيّ «١» ، وآيَةٌ:

معناه: عِبْرَةٌ وَعَلاَمَةٌ عَلَى فَضْلِ اللهِ وقُدْرَتِه، وجَنَّتانِ: مبتدَأٌ وَخَبَرُه: عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ، أو خَبَرَ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيره: هي جنتان، وقيل: جَنَّتانِ بدل من آيَةٌ وَضُعِّفَ، ورُوِي فِي قُصَصِهِمْ أَنَّهُ كَانَ فِي نَاحِيَةِ اليَمَنِ وَادٍ عَظِيمٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، وَكَانَتْ جَنَبَتَا الوادِي فَوَاكِهَ وزُرُوعاً، وكان قد بُنِيَ فِي رَأْسِ الوادِي عِنْدَ أَوَّلِ الجَبَلَينِ جِسْرٌ عَظِيمٌ مِنْ حِجَارَةٍ مِنَ الجَبَلِ إلَى الجَبَلِ، فَاحْتَبَسَ الماءُ فِيهِ، وصَارَ بُحَيْرَةً عَظِيمَةً، وَأُخِذَ المَاءُ من جَنَبَتَيْهَا فَمَشَى مُرْتَفِعاً يَسْقِى جَنَّاتٍ كَثِيرَةٍ جَنَبتَي الوادِي، قِيلَ: بَنَتْهُ بلقيس، وَقِيلَ بَنَاهُ حِمْيَرُ أَبُو القَبَائِلِ اليَمَانِيَّةِ كُلِّهَا، وكانُوا بهذهِ الحالِ فِي أرْغَدِ عَيْشِ، وَكَانَتْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ قُرٍى ظَاهِرَةٌ مُتَّصِلَة من اليَمَنِ إلى الشام، وكانوا أَرْبَابَ تِلْكَ البِلاَدِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ.

ت: وَقَوْلُ ع «٢» : «وَكَانَ قَدْ بُنِيَ فِي رَأْسِ الوَادِي عِنْدَ أَوَّلِ الجبلين» صوابُه:

وَكَانَ قَدْ بُنِيَ فِي أَسْفَلِ الوَادِي عِنْدَ آخِرِ الجَبَلَينِ، وكُلُوا: فيه حذف معناه: قيل لهم:

كلوا، وطَيِّبَةٌ معناه: كريمةُ التُّربةِ حَسَنةُ الهَواءِ، ورُوِيَ أَنَّ هذهِ المقَالة مِن الأَمْرِ بالأَكْلِ وَالشُّكْرِ وَالتَّوْقِيفِ عَلى طِيبِ البَلْدَةِ وغُفْرَانِ الرَّبِّ مَعَ الإيمَانِ بِهِ هي من قول الأَنْبِياء لَهُمْ، وبُعِثَ إليهم فِيمَا رُوِيَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ نَبِيّاً فَكَفَرُوا بِهِم وأَعْرَضُوا فَبَعَثَ اللهُ عَلى ذَلِكَ السَّدِّ جُرْذاً أَعْمَى تَوالَدَ فِيه وَخَرَقَهُ شَيْئاً بَعْدَ شَيْءٍ فَانْخَرَقَ السَّدُّ وَفَاضَ المَاءُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَجَنَّاتِهم فَغَرَّقَها وَأَهْلَكَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الفِرَارُ واخْتُلِفَ فِي الْعَرِمِ.

فَقَالَ المُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ وَأَبُو مَيْسَرَةَ: هُوَ كُلُّ مَا بُنِي أَوْ سُنِّمَ لِيُمْسِك «٣» المَاءَ، وَقَالَ ابن


(١) تقدم تخريجه.
(٢) ينظر: «المحرر» (٤/ ٤١٣) .
(٣) أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (١٠/ ٣٦٢) رقم (٢٨٧٨٩) عن المغيرة بن حكيم، ورقم (٢٨٧٩٠) عن أبي ميسرة، كلاهما بنحوه، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤١٤) عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>