للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأرض هنا أرْضُ مِصْر، ومتى ذكرت الأرض عموماً، فإِنما يراد بها ما يناسب القصَّة المتكلَّم فيها، واقتضبَتْ هذه الآيةُ قصص بني إِسرائيل مع فرعون، وإِنما ذكرت عِظَمَ الأمر وخطيره، وذلك طرفاه أراد فرعون غلبتهم وقتلهم، وهذا كان بَدْءَ الأمر فأغرقه اللَّه وجُنُودَهُ، وهذا كان نهايةَ الأمر، ثم ذكر سبحانه أمْرَ بني إسرائيل بعد إِغراق فرَعوْنَ بسُكْنَى أرض الشام ووَعْدُ الْآخِرَةِ هو يوم القيامة، «واللفيفُ» : الجَمْعُ المختلطُ الذي قد لفّ بعضه إلى بعض.

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٩]

وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩)

وقوله سبحانه: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ يعني القرآن نَزَلَ بالمصالح والسّداد للناس، وبِالْحَقِّ نَزَلَ يريد: بالحقِّ في أوامره ونواهيه وأخباره، وقرأ جمهور «١» الناس: «فَرْقَنَاهُ» بتخفيف الراء، ومعناه: بيَّنَّاه وأوضَحْناه وجَعَلْناه فرقاناً، وقرأ جماعةٌ خارجَ السبْعِ «٢» :

«فَرَّقْنَاهُ» بتشديد الراء، أي: أنزلناه شيئاً بعد شيء، لا جملةً واحدة، ويتناسق هذا المعنى مع قوله: لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ، وتأوّلت فرقةٌ قوله: عَلى مُكْثٍ أي: على ترسُّل في التلاوةِ، وترتُّل، هذا قول مجاهد وابن عباس وابن جُرَيْج وابن زيد «٣» ، والتأويلُ الآخر، أي على مُكْثٍ وتطاوُلٍ في المدة شيئاً بعد شيء.

وقوله سبحانه: قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا فيه تحقيرٌ للكفّار، وضرب من التوعّد، والَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ: قالت فرقة: هم مؤمنو أهل الكتاب، والْأَذْقانِ: أسافل الوجوه حيث يجتمع اللّحيان.


(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٤٩٠) ، و «البحر المحيط» (٦/ ٨٤) ، و «الدر المصون» (٤/ ٤٢٦) .
(٢) وهي قراءة أبيّ، وابن عباس، ومجاهد، وابن مسعود، وعلي، وأبي رجاء، وقتادة، والشعبي، وحميد، وعمرو بن فائد، وزيد بن علي، وعمرو بن ذر، وعكرمة، والحسين.
ينظر: «مختصر الشواذ» (٨١) ، و «المحتسب» (٢/ ٢٣) ، و «المحرر الوجيز» (٣/ ٤٩٠) ، و «البحر المحيط» (٦/ ٨٤) ، و «الدر المصون» (٤/ ٤٢٧) .
(٣) أخرجه الطبري (٨/ ١٦٢) برقم: (٢٢٧٨٣) ، وذكره ابن عطية (٣/ ٤٩١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٣٧٢) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.

<<  <  ج: ص:  >  >>