للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكنتُ إلى شُعْبَةَ أَمْيَلَ مِنِّي إلى مِسْعَرٍ، فقلتُ: يا أبا بِسْطَامَ ما فَعَلَ اللَّهُ بك؟ فقال: وَفَّقَكَ اللَّه يا بُنَيَّ، احفظ ما أقُولُ:

حَبَانِي إلهي فِي الْجِنِانِ بِقُبَّة ... لَهَا أَلْفُ بَابٍ مِنْ لُجَيْنٍ وَجَوْهَرَا

وَقَالَ لِيَ الْجَبَّارُ: يَا شُعْبَةُ الَّذِي ... تَبَحَّرَ في جَمْعِ الْعُلُومِ وَأَكْثَرَا

تَمَتَّعْ بِقُرْبِي إنَّنِي عَنْكَ ذُو رِضاً ... وَعَنْ عَبْدِيَ القَوَّامِ في اللَّيْلِ مِسْعَرَا

كفى مِسْعَراً عِزًّا بِأنْ سَيَزُورُنِي ... وَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِي وَيَدْنُو لِيَنْظُرَا

وهذا فِعَالِي بِالَّذِينَ تَنَسَّكُوا ... وَلَمْ يَأْلَفُوا في سَالِفِ الدَّهْرِ مُنْكَرَا «١»

انتهى. «والآناء» : الساعاتُ واحدها/ «إنًى» كَ «مِعًى» ويقال: «إِنْيٌ» - بكسر الهمزة وسكون النون-، و «أَنًى» على وزن «قَفاً» .

وقوله سبحانه: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قال ابْنُ الجوزيِّ في «المُنْتَخَبِ» :

يقولُ اللَّه تعالى: «لاَ أجْمَعُ على عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَلاَ أَمْنَيْنِ مَنْ خَافَنِي فِي الدُّنْيَا، أَمَّنْتُهُ فِي الآخِرَةِ، وَمَنْ أَمِنَنِي في الدُّنْيَا خَوَّفْتُهُ في الآخِرَةِ» ، يَا أَخِي امتطَى القَوْمُ مَطَايَا الدجى على مَرْكَبِ السَّهَرِ، فَمَا حَلُّوا وَلاَ حَلُّوا رِحَالَهُمْ حَتَّى السَّحَرْ، دَرَسُوا القُرآن فَغَرَسُوا بِأَيْدِي الْفِكْرِ أَزْكَى الشَّجَرْ، وَمَالُوا إلى النُّفُوسِ بِاللَّوْمِ فَلاَ تَسْأَلْ عَمَّا شَجَرْ، رَجَعُوا بِنَيْلِ القَبُولِ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرْ، وَوَقَفُوا على كَنْزِ النَّجَاةِ وَمَا عِنْدَكَ خَبَرْ، فإذا جَاء النَّهَارُ قَدَّمُوا طَعَامَ الجُوعِ، وَقَالُوا لِلنَّفْسِ: هَذَا الَّذِي حَضَرْ، حَذَوْا عزَمَاتٍ طَاحَتِ الأَرْضُ بَيْنَهَا، فَصَارَ سُرَاهُمْ في ظُهُورِ العَزَائِمْ، تَرَاهُمْ نُجُومَ اللَّيْلِ مَا يَبْتَغُونَهُ على عَاتِقِ الشعرى وَهَامِ النَّعَائِمْ، مَالَتْ بِالقَوْمِ رِيحُ السَّحَرِ مَيْلَ الشَّجَرِ بِالأَغْصَانْ، وَهَزَّ الخَوْفُ أَفْنَانْ القُلُوبِ فانتشرت الأَفْنَان، فَالقَلْبُ يَخْشَعُ واللِّسَانُ يَضْرَعُ وَالعَيْنُ تَدْمَعُ وَالوَقْتُ بُسْتَانْ، خَلَوْتُهُمْ بِالحَبِيبِ تَشْغَلُهُمْ عَنْ نُعْمٍ وَنَعْمَانْ، سُرُورُهُمْ أَسَاوِرُهُمْ وَالخُشُوعُ تِيجِانْ، خُضُوعُهُمْ حُلاَهُمْ وَمَاءُ دَمْعِهِمْ دُرٌّ وَمَرْجَانْ، بَاعُوا الْحِرْصَ بِالقَنَاعَةِ فَمَا مُلكُ أَنُوشِرْوَان، فَإذَا وَرَدُوا القِيَامَةَ تَلَقَّاهُمْ بَشَرٌ: لَوْلاَكُمْ مَا طَابَ الجِنَانْ، يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانْ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْهُمْ يَا نَائِمُ كَيَقْظَانْ، كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ أَيْنَ الشُّجَاعُ مِنَ الجَبَانْ، مَا لِلْمَوَاعِظِ فِيكَ نُجْحٌ، مَوْضِعُ القَلْبِ/ بِاللَّهْوِ مِنْكَ مَلآنْ، يَا أَخِي، قِفْ على بَابِ النَّجَاحِ ولكن وُقُوفَ لُهْفَانْ، واركب سُفُنَ الصَّلاَحِ، فهذا المَوْتُ طُوفَانْ، إخْوَانِي، إنَّمَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مَرَاحِلْ وَمَرْكَبُ العُمْرِ قَدْ قَارَبَ السَّاحِلْ، فانتبه لِنَفْسِكَ وازدجر يَا غَافِلْ، يَا هَذَا، أَنْتَ مُقِيمٌ فيَّ مُنَاخِ الرَّاحِلِينَ ويحك اغتنم أيّام القدرة قبل


(١) ينظر: الأبيات في «العاقبة» (١٣٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>