للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلام للَّهِ، وتوكَّل علَيْه، وقولهم: مَا نَبْغِي: يحتمل أنْ تكون «ما» استفهاما قاله قتادة: ونَبْغِي: من البُغْية، أي: ماذا نَطْلُبُ بَعْدَ هذه التَّكْرِمَة هذا مَالُنَا رُدَّ إِلينا مع مِيرَتِنا، قال الزَّجَّاج «١» : ويحتمل أنْ تكون «ما» نافية، أي: ما بقي لنا ما نَطْلُبُ، ويحتمل أن تكون أيضا نافية، ونَبْغِي من البَغْيِ، أي: ما تَعَدَّيْنا فَكَذَبْنا على هذا المَلِكِ، ولا في وَصْف إِجماله وإِكرامه، هذه البضاعةُ رُدَّت إِلينا، وقرأ أبو حَيْوة «٢» : «ما تَبْغِي» على مخاطبة يعقوبَ، وهي بمعنى ما تُرِيدُ، وما تطلب وقولهم: وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ يريدون بَعِيرَ أخيهم إِذ كان يوسُفُ إِنما حمل لهم عَشَرَةَ أَبْعِرَةٍ، ولم يحملِ الحادِيَ عشر لغيب صاحبه، وقولهم: ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ: قيل: معناه: يسيرٌ على يوسف أنْ يعطيه.

وقال السدِّيَّ: يَسِيرٌ، أي: سريع لاَ نُحْبَسُ فيه ولا نُمْطَلُ «٣» .

وقوله تعالى: فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ الآية: أي لمَّا عاهدوه، أشْهَدَ اللَّه بينه وبينهم بقوله: اللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ، و «الوكيلُ» : القيِّم الحافظُ الضَّامن.

وقوله: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ: لفظٌ عامٌّ لجميع وجوه الغَلَبة، وانظر أنَّ يعقوبَ عليه السلام قد توثَّق في هذه القصَّة، وأشْهَدَ اللَّه تعالى، ووصَّى بنيه، وأخبر بعد ذلك بتوكُّله، فهذا توكُّل مع سبب، وهو توكُّل جميعِ المؤمنين إِلا مَنْ شَذَّ في رَفْض السعْي بالكليَّة، وقَنِعَ بالماء وبَقْلِ البَرِّيَّة، فتلك غايَةُ التوكُّل، وعليها بعضُ الأنبياء عليهم السلام، والشارعُونَ منهم مثبتون سُنَنَ التسبُّب الجائز، قال الشيخ العارف بالله عبد الله بن أبي جَمْرَةَ رضي اللَّه عنه: وقد اشتمل القُرْآنَ على أَحكامٍ عديدةٍ، فمنها: التعلُّق باللَّه تعالَى، وتركُ الأسبابِ، ومنها: عمل الأسبابِ في الظاهِرِ، وخُلُوُّ الباطن من التعلُّق بها، وهو أجلُّها وأزكاها لأن ذلك جَمْعٌ بينَ الحكمَةِ وحقيقة التَّوْحيد، وذلك لا يكُونُ إِلا للأفذاذِ الذين مَنَّ اللَّه عليهم بالتوْفِيق ولذلك مَدَحَ اللَّه تعالى يعقوب عليه الصلاة والسلام في كتابه، فقال: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف: ٦٨] لأنه عمل الأسباب، واجتهد/ في توفيتها، وهو مقتضَى الحكمةِ، ثم رَدَّ الأمر كلَّه للَّه تعالى، واستسلم إِليه، وهو حقيقةُ التَّوحيد، فقال: وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ... الآية، فأثنى


(١) ينظر: «معاني القرآن» (٣/ ١١٨) .
(٢) وهي قراءة ابن مسعود كما في «الكشاف» (٢/ ٤٨٦) ، وينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٢٦٠) ، و «البحر المحيط» (٥/ ٣٢١) ، و «الدر المصون» (٤/ ١٩٥) .
(٣) ذكره ابن عطية (٣/ ٢٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>