والثاني: أن يكون «في كلّ قرية» مفعولا ثانيا أيضا مقدما، و «أكابر» هو الأول، و «مجرميها» بدل من «أكابر» ذكر ذلك أبو البقاء. الثالث: أن يكون «أكابر» مفعولا ثانيا قدم، و «مجرميها» مفعول أول آخر، والتقدير: جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر- فيتعلق الجار بنفس الفعل قبله، ذكر ذلك ابن عطية. قال الشيخ: «وما أجازاه- يعني أبا البقاء وابن عطية- خطأ وذهول عن قاعدة نحوية، وهو أن «أفعل» التفضيل إذا كان ب «من» ملفوظا بها أو مقدرة، أو مضافة إلى نكرة كانت مفردة مذكرة على كل حال، سواء كانت لمذكر أم مؤنث مفرد أو مثنى أم مجموع. وإذا ثنيت أو جمعت أو أنثت، طابقت ما هي له، ولزمها أحد أمرين: إمّا الألف واللام، وإمّا الإضافة لمعرفة. وإذا تقرر ذلك، فالقول بكون «مجرميها» بدلا، وبكونه مفعولا أول، و «أكابر» مفعول ثان خطأ، لاستلزام أن يبقى «أكابر» مجموعا، وليست فيه ألف ولام، ولا هي مضافة لمعرفة. قال: وقد تنبه الكرماني إلى هذه القاعدة فقال: «أضاف «أكابر» إلى «مجرميها» لأن «أفعل» لا يجمع إلّا مع الألف واللام، أو مع الإضافة» . قال الشيخ: وكان ينبغي أن يقيد بالإضافة إلى معرفة. قلت: أما هذه القاعدة فمسلمة ولكن قد ذكر مكي ما ذكر ابن عطية سواء، وما أظنه أخذ إلّا منه، وكذلك الواحدي أيضا، ومنع أن يجوز إضافة «أكابر» إلى «مجرميها» . قال الواحدي- رحمه الله-: «والآية على التقديم والتأخير، تقديره: جعلنا مجرميها أكابر، ولا يجوز أن يكون «الأكابر» مضافة، لأنه لا يتم المعنى، ويحتاج إلى إضمار المفعول الثاني للجعل، لأنك إذا قلت: جعلت زيدا، وسكت، لم يفد الكلام حتّى تقول: رئيسا أو ذليلا أو ما أشبه ذلك، ولأنك إذا أضفت «الأكابر» فقد أضفت النعت إلى المنعوت، وذلك لا يجوز عند البصريين» . قلت: هذان الوجهان اللذان ردّ بهما الواحدي ليسا بشيء. أما الأول فلا نسلم أنا نضمر المفعول الثاني، وأنه يصير الكلام غير مفيد، وما أورده من الأمثلة فليس مطابقا، لأنا نقول: إنّ المفعول الثاني هنا مذكور مصرح، وهو الجار والمجرور السابق. وأما الثاني فلا نسلم أنه من باب إضافة الصفة لموصوفها، لأن المجرمين: أكابر، وأصاغر، فأضاف للبيان، لا لقصد الوصف. الرابع: أن المفعول الثاني محذوف. قالوا: وتقديره: جعلنا في كلّ قرية أكابر مجرميها فسّاقا ليمكروا. وهذا ليس بشيء لأنه لا يحذف شيء، إلا الدليل، والدليل على ما ذكروه غير واضح. وقال ابن عطية: ويقال: أكابرة، كما يقال: أحمر وأحامرة. ينظر: «الدر المصون» (٣/ ١٧١- ١٧٢) . (٢) ينظر: «تفسير الرازي» (١٣/ ١٤٣) .