للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وما» في قوله: مَا مَنَعَكَ استفهام على جِهَةِ التوبيخ والتقريع، و «لا» في قوله:

أَلَّا تَسْجُدَ قيل: هي زائدة، والمعنى: ما مَنَعَكَ أن تَسْجُدَ، وكذلك قال أبو حَيَّان «١» :

إنها زائدة «٢» ، كهي في قوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ [الحديد: ٢٩] .

قال: ويدلُّ على زيادتها سُقُوطها في قوله تعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ [ص: ٧٥] في «ص» انتهى. وجواب إبليس اللعين ليس بمُطابق لما سئل عنه، لكن [لما] جاء بِكَلاَمٍ يتضمن الجَوَابَ والحجة، فكأنه قال: منعني فَضْلِي عليه، إذ أنا خير منه، وظن إبليس أن النار أَفْضَلُ من الطين، وليس كذلك بل هما في دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ من حيث إنهما جَمَادٌ مخلوق، ولما ظن إبليس أن صُعُودَ النار، وَخِفَّتَهَا يقتضي فَضْلاً على سُكُونِ الطين وبلادته، قَاسَ أن ما خُلِقَ منها أَفْضَلُ مما خُلِقَ من الطين، فأخطأ قياسه، وذهب عليه أن الروح الذي نُفِخَ في آدم ليس من الطِّين.

وقال الطبري «٣» : ذهب عليه ما في النَّارِ من الطَّيْشِ، والخِفَّةِ، والاضطراب، وفي الطين من الوَقَارِ، والأَنَاةِ والحِلْمِ، والتثبت وروي عن الحسن، وابن سيرين أنهما قالا: أول مَنْ قَاسَ إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالقِيَاس «٤» ، وهذا القَوْلُ منهما ليس هو بإنكار للقياس «٥» . وإنما خرّج كلاهما نَهْياً عما كان في زمانهما من مَقَايِيسِ الخوارج


(١) ينظر: «البحر المحيط» (٤/ ٢٧٣) .
(٢) ذكره ابن عطية (٢/ ٣٧٨) ، ولم يعزه لأحد.
(٣) ينظر: «تفسير الطبري» (٥/ ٤٤٠) .
(٤) أخرجه الطبري (٥/ ٤٤١) ، برقم: (١٤٣٦٠) ، وبرقم: (١٤٣٦١) ، بلفظ: «قاس إبليس، وهو أول من قاس» ، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٧٩) ، والبغوي (٢/ ١٥٠) ، وذكره ابن كثير (٢/ ٢٠٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ١٣٤) عن الحسن نحوه.
(٥) ينظر: الكلام على القياس في:
«البرهان» لإمام الحرمين (٢/ ٧٤٣) ، «البحر المحيط» للزركشي (٥/ ٥) ، «الإحكام في أصول الأحكام للآمدي» (٣/ ١٦٧) ، «سلاسل الذهب» للزركشي ص: (٣٦٤) ، «التمهيد» للأسنوي ص: (٤٦٣) ، «نهاية السول» له (٤/ ٢) ، «زوائد الأصول» له ص: (٣٧٤) ، «منهاج العقول» للبدخشي (٣/ ٣) ، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري ص: (٢١١) ، «التحصيل من المحصول» للأرموي (٢/ ١٥٥) ، «المنخول» للغزالي ص: (٣٢٣) ، «المستصفى» له (٢/ ٢٢٨) ، «حاشية البناني» (٢/ ٢٠٢) ، «الإبهاج» لابن السبكي (٣/ ٣) ، «الآيات البينات» لابن قاسم العبادي (٤/ ٢) ، «حاشية العطار على جمع الجوامع» (٢/ ٢٣٩) ، «المعتمد» لأبي الحسين (٢/ ١٩٥) ، «إحكام الفصول من أحكام الأصول» للباجي ص:
(٥٢٨) ، «الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (٧/ ٣٦٨) ، (٨/ ٤٨٧) ، «أعلام الموقعين» لابن القيم (١/ ١٠١) ، «التحرير» لابن الهمام ص: (٤١٥) ، «تيسير التحرير» لأمير باد شاه (٣/ ٢٦٣) «التقرير والتحبير» لابن أمير الحاج (٣/ ١١٧) . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>