للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِن الوُحْشَ تَأْتِيهِمْ جَهَاراً ... وَلاَ تخشى لِعَادِيٍّ سِهَامَا

وَأَنْتُمْ هَاهُنَا فِيمَا اشْتَهَيْتُم ... نَهَارَكُمُ وَلَيْلَكُمُ التَّمَامَا

فَقُبِّحَ وَفْدُكُمْ مِنْ وَفْدِ قَوْمِ ... وَلاَ لُقُّوا التَّحِيَّةَ وَالسَّلاَمَا «١»

فغنت به الجَرَادَتَانِ، فلما سمعه القَوْمُ قال بعضهم: يا قوم إنما بعثكم قومكم لما حَلَّ بهم، فادخلوا هذا الحَرَمَ، وادعوا لَعَلَّ اللَّه يغيثهم فخرجوا لذلك، فقال لهم مرثد بن سعد: إنكم واللَّه ما تسقون بدعائكم، ولكنكم إن أطعتم نبيكم وآمنتم سقيتم، وأظهر إيمانه يومئذٍ، فَخَالَفَهُ الوَفْدُ، وقالوا لمعاوية بن بكر وأبيه بكر: احْبِسَا عنا مرثداً، ولا يدخل معنا الحَرَم، فإنه قد اتبع هُوداً، ومَضَوْا إلى الحرم، فاستسقى قيل بن عنز، وقال: يا إلاهنا إن كان هود صادقاً، فاسقنا، فإنا قد هلكنا، فأنشأ اللَّه تعالى سحائب ثَلاَثاً بيضاء وحمراء وسوداء، ثم نادى مُنَادٍ من السماء: يَا قَيْلُ اختر لنفسك ولقومك من هذه السحائب ما شِئْتَ، فقال قيل: قد اخترت السَّوداء فإنها أكثرهن مَاءً، فنودي:

قد اخترت رَمَاداً رَمْدداً ... لاَ تُبْقُي مِنْ عَادٍ أَحَدَا

لا وَالِداً وَلاَ وَلَداً ... إِلاَّ جَعَلْتُهُمْ هَمَدَا

وساق اللَّه السَّحَابَةَ السوداء التي اختارها قيل إلى عاد حتى خرجت عليهم من وَادٍ لهم يقال له: المُغِيثُ، فلما رأوها، قالوا هذا عَارِضٌ ممطرنا، حتى عرفت أنها ريح امرأة منهم يقال لها: مهدر، فصاحت وصعقت، فلما أفاقت قيل لها: ما رأيت؟ قالت: ريحاً فيها كَشُهبِ النار، أمامها رجال يَقُودُونَهَا، فسخرها اللَّه عليهم سَبْعَ ليال، وثمانية أيام حُسْوماً، والحُسُوم: الدائمة، فلم تَدَعْ من عَادٍ أحداً إلا هلك، فاعتزل هود، ومن معه من المُؤْمنين في حَظِيرَةٍ ما يصيبه من رِيحٍ إلا ما يلتد به.

قال ع «٢» : وهذا قصص وقع في «تفسير الطبري» مطولاً، وفيه اختلاف، فاقتضبت عيون ذلك بحسب الإيجاز، وفي خبرهم: أن الريح كانت تَدْمَغُهُمْ بالحِجَارَةِ، وترفع الظَّعِينَةَ عليها المرأة حتى تلقيها في البحر.

وفي خبرهم: أن أقوياءهم كان أحدهم يسدّ بنفسه مَهَبَّ الريح حتى تَغْلبَهُ فتلقيه في البَحْر، فيقوم آخر مكانه حتى هَلَكَ الجَمِيعُ. وقال زيد بن أسلم: بلغني أن ضبعا ربّت


(١) الأبيات في «الكامل» (١/ ٨٦) ، و «تاريخ الطبري» (١/ ٢٢٠) ، و «المحرر الوجيز» (٢/ ٤١٨) .
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٤١٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>