للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القبْطِيُّ والإسرائيليُّ بإِناء واحدٍ، فإِذا خرج الماء، كان الذي يلي القِبْطِيَّ دماً، والذي يلي الإِسرائيليَّ ماءً إِلى نحو هذا، وشبهه، من العذاب بالدَّمِ المنقلبِ عن الماء، هذا قول جماعة من المتأوِّلين.

وقال زيدُ بن أسْلَمَ: إِنما سلط عليهم الرُّعَاف «١» ، فهذا معنى قوله: وَالدَّمَ، وقوله: آياتٍ مُفَصَّلاتٍ التفصيل: أصله في الأجرام: إِزالة الاتصال، فهو تفريقُ شيئَيْن، فإِذا استعمل في المعاني، فيراد به أنه فُرِقَ بينها، وأُزِيلَ اشتباكها وإِشكالها، فيجيء من ذلك بيانها.

وقالتْ فرقةٌ: مُفَصَّلاتٍ يراد بها: مفرَّقات في الزمَن.

قال الفخر: قال المفسِّرون: كان العذابُ يبقى عليهم من السَّبْت إِلى السَّبْت، وبَيْنَ العذابِ والعذابِ شَهْرٌ، وهذا معنى قوله: آياتٍ مُفَصَّلاتٍ، على هذا التأويل، أي:

فصلَ بين بعضها وبَعْضٍ بزمانٍ تمتحنُ فيه أحوالهم، ويُنْظَرُ أيقبلون الحُجَّة والدليلَ، أم يستمرُّون على الخلاف والتقليد. انتهى.

وقوله عز وجل: وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ/ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ ... الآية: «الرّجز» : العذابُ، والظاهر من الآية أنَّ المراد بالرجْزِ هنا العذابُ المتقدِّم الذكْر من الطُّوفان والجراد وغيره.

وقال قوم: [إن] الرجْزَ هنا طاعون أنزله اللَّه بهم، واللَّه أعلم، وهذا يحتاجُ إلى سندٍ، وقولهم: بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لفظ يعمُّ جميع الوسائل بَيْنَ اللَّه وبَيْنَ موسى من طاعةٍ من موسى ونعمةٍ من اللَّه تبارك وتعالى، ويحتمل أنْ يكون ذلك منهم على جهَةِ القَسَمِ على موسَى، وقولُهم: لَئِنْ كَشَفْتَ أي: بدعائك، لَنُؤْمِنَنَّ وَلَنُرْسِلَنَّ قسمٌ وجوابُه، وهذا عهدٌ من فرعونَ وَمَلَئِهِ، وروي أنه لما انكشف العذابُ، قال فرعون لموسى: اذهب ببني إسرائيل حيْثُ شِئْتَ، فخالفه بعْضُ مَلَئِهِ، فرجع ونكث، و «إذا» هنا للمفاجأة، والأَجَلُ: يراد به غايةُ كُلِّ واحد منهم بما يخصُّه من الهلاكِ والموتِ كما تقول: أخَّرْتُ كذا إِلى وقْتٍ، وأنْتَ لا تريد وقْتاً بعينه، فاللفظ متضمِّن توعُّداً مَّا، وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ أي: غافلين عما تضمَّنته الآيات من النجاة والهدى.


(١) ذكره ابن عطية (٢/ ٤٤٤) ، وابن كثير (٢/ ٢٤٢) ، والسيوطي (٣/ ٢٠٦) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.

<<  <  ج: ص:  >  >>