للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال «١» الفَخْر: قوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ ... الآية: قال بعضهم:

الإِشارة بذلك إِلى مَنْ تقدَّم ذكْرُه من بني إِسرائيل، والمعنى: يتبعونه باعتقاد نبوَّته من حيث وَجَدُوا صفتَهُ في التوراة، وسيجدونه مكتوباً في الإِنجيل.

وقال بعضهم: بل المرادُ مَنْ لحق مِنْ بني إِسرائيل أيام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فبيَّن تعالى أن هؤلاء اللاحقين لا تكتب لهم رحمةُ الآخرة إِلاّ إذا اتبعوا النبيَّ الأُميُّ.

قال الفخْر «٢» : وهذا القول أقربُ. انتهى. وقوله: يَجِدُونَهُ، أي: يجدون صفة نبيِّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم ونعته ففي «البخاريِّ» وغيره، عن عبد اللَّه بن عمرو أنَّ في التوراة مِنْ صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «يا أيّها النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً/ وَنَذِيراً وَحِرْزاً لِلأُمِيِّيِّن، أنْتَ عَبْدِي وَرَسُولي، سَمَّيْتُكَ المُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلاَ غَلِيظٍ، وَلاَ سخَّاب «٣» في الأَسْوَاق، وَلاَ يَجْزي بالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ أَقْبِضَهُ حتى أُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوْجَاء بأنْ يَقُولُوا: لاَ إله إِلاَّ اللَّهُ، فَنُقِيمُ بِهِ قُلُوباً غُلْفاً، وأَذَاناً صُمًّا، وَأَعْيُناً عُمْياً» ، وفي «البخاريِّ» :

«فَيَفْتَحُ بِهِ عُيُونَاً عُمْياً، وآذاناً صُمًّا، وقُلُوباً غُلْفاً «٤» » ، ونصَّ كعب الأحبار نحو هذه الألفاظ إِلاَّ أنه قال: «قُلُوباً غُلُوفاً، وآذناً صُمُوماً» .

وقوله سبحانه: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ... الآية: يحتملُ أن يكون ابتداء كلامٍ وُصِفَ به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويحتملُ أن يكون متعلِّقاً ب «يجدونه» في موضع الحال على تجوُّزٍ، أي:

يجدونه في التوراةِ آمراً بشرط وجوده، والمعروف: ما عُرِفَ بالشرع، وكلُّ معروف من جهة المروءة، فهو معروف بالشرع، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «بعثت لأتمّم محاسن الأخلاق» «٥» والْمُنْكَرِ: مقابله، والطَّيِّباتِ عند مالك: هي المحلّلات، والْخَبائِثَ هي المحرَّمات، وكذلك قال ابن عباس، والإِصْرُ الثّقل «٦» ، وبه فسّر هنا قتادة «٧» وغيره،


(١) ينظر: «تفسير الرازي» (١٥/ ٢٠) .
(٢) ينظر: «تفسير الرازي» (١٥/ ٢٠) .
(٣) السّخب والصّخب: الصياح.
ينظر: «النهاية» (٢/ ٣٤٩) .
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) تقدم تخريجه. [.....]
(٦) أخرجه الطبري (٦/ ٨٥- ٨٦) برقم: (١٥٢٤١) بلفظ: «عهدهم» ، وبرقم: (١٥٢٤٧) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٦٣) ، والبغوي (٢/ ٢٠٦) ، والسيوطي (٣/ ٢٤٨) .
(٧) أخرجه الطبري (٦/ ٨٦) برقم: (١٥٢٤٨) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٦٣٠) ، والبغوي (٢/ ٢٠٦) ، والسيوطي بنحوه (٣/ ٢٤٨) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وأبي الشيخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>