للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلْفاً: «لَنْ تُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ» «١» ، وروي أَنَّ رجلاً من أصحابه قالها فأَراد الله تعالى إظهار العجز فظهر حين فَرَّ الناسُ.

ت: العجب جائزٌ في حقِّ غير النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو معصوم منه صلّى الله عليه وسلّم، والصوابُ في فَهْمِ الحديث، أَنه خَرَجَ مَخْرَجَ الإِخبار، لا على وجه العُجْب وعلى هذا فَهِمُه ابنُ رُشْدٍ وغيره، وأَنه إِذا بلغَ عَدَدُ المسلمين اثني عشر ألفاً حُرِمَ الفِرَارُ، وإن زاد عددُ المُشْرِكين على الضِّعْف وعليه عَوَّلَ في الفتوى، وقوله تعالى: وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، معناه: بِرُحْبها كأنه قال: عَلَى ما هي عليه في نَفْسها رَحْبةً واسعة، لشدّة الحال وصعوبتها ف «ما» : مصدرية.

وقوله سبحانه: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ، أي: فرارا عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم واختصار هذه القصّة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا فتح مكّة، وكان في عشرة آلاف منْ أصحابه، وانضاف إِليهم ألفانِ من الطُّلَقَاءِ، فصار في اثني عشر ألفا، سمع بذلك كفَّار العرب، فشَقَّ عليهمِ، فجمعتْ له هوازنُ وألفافها، وعليهم مَالِكُ بن عوفٍ النصريُّ، وثقيفٌ، وعليهم عبْد يَالِيلَ بْنُ عَمْرُو/ وانضاف إِليهم أَخلاطٌ مِنَ الناس حتى كانوا ثلاثين ألفا، فخرج إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين اجتمعوا بحُنَيْنٍ، فلما تصافَّ الناسُ، حمل المشركون من مَحَانِي الوادِي، وانهزم المُسْلِمون، قال قتادة: وكان يقال: إِن الطلقاء مِنْ أَهْل مكَّةَ فرُّوا، وقصدوا إِلقَاءَ الهَزيمة في المُسْلمين «٢» ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عَلَى بغلته البَيْضَاء قد اكَتَنَفَهُ العَبَّاس عمُّه، وابنُ عَمِّه أبو سفيانَ بْنُ الحارثِ بنِ عبد المُطَّلبِ، وبَيْنَ يدَيْهِ أَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أيمن، وثمّ قتل رحمه الله والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقولُ:

أَنَا النَّبيُّ لاَ كَذِبْ ... أَنا ابن عبد المطّلب

فلما رأى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم شدَّةَ الحالِ، نَزَلَ عن بَغْلَتِهِ إِلى الأرض قاله البَرَاءُ بنُ عازب «٣» ، واستنصر اللَّه عَزَّ وجلَّ، فأَخَذَ قبضةً مِنْ ترابٍ وحصًى، فرمَى بها في وُجُوه الكُفَّار، وقال: «شَاهَت الوُجُوه» ، ونادى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالأنصارِ، وأمَرَ العبَّاسَ أنْ ينادِيَ:

«أَيْنَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ؟ أَيْنَ أَصْحَابُ سُورَةِ البَقَرةِ؟» فَرَجَعَ النّاسُ عَنَقاً واحداً للحَرْبِ، وتصافحوا بالسُّيوفِ والطَّعْنِ والضرب، وهناك قال عليه السلام: «الآنَ حَمِيَ الوَطِيسُ» «٤»


(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٤٠٤) ، وعزاه للبيهقي في «دلائل النبوة» .
(٢) أخرجه الطبري (٦/ ٣٤٠) برقم: (١٦٥٨٨) نحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ١٩) . [.....]
(٣) أخرجه الطبري (٦/ ٣٤٣) برقم: (١٦٥٩٥) وذكره ابن عطية (٣/ ١٩) .
(٤) تقدم في: سورة الأنفال.

<<  <  ج: ص:  >  >>