للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعناه: التردّد، وخِلالَ ظرف، أي: وسط الديار انتهى.

وقوله سبحانه: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ... الآية عبارة عما قاله سبحانه لبني إِسرائيل في التوراة، وجعل «رددنا» موضع «نَرُدُّ» ، لما كان وعد اللَّه في غاية الثِّقَة، وأنه واقع لا محالة، فعبَّر عن المستقبل بالماضي، وهذه الكرة هي بعد الجولة الأولى، كما وصفْنا، فغَلَبَتْ بنو إِسرائيل على بيت المقدس، وملَكُوا فيه، وحَسُنت حالهم بُرْهةً من الدهْرِ، وأعطاهم اللَّه الأموالَ والأولادَ وجعلَهم إِذا نفروا إِلى أمْرٍ أكثر النَّاس، فلما قال اللَّه: إِني سأفعل بكم هكذا، عقّب بوصيَّتهم في قوله: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ... الآية، المعنى: إنكم بعملكم تجازون، ووَعْدُ الْآخِرَةِ معناه: من المرّتين.

/ وقوله: لِيَسُوؤُا اللام لام أمْرِ، وقيل: المعنى: بعثناهم، ليسوؤوا وليدخلوا، فهي لام كْيِ كلّها، والضمير للعباد أولي البأس الشديد، والْمَسْجِدَ مسجد بيت المقدس، «وتَبَّر» معناه: أفسد بغشمٍ وركوب رأْس.

وقوله: مَا عَلَوْا، أي: ما علوا عليه من الأقطار، وملكوه من البلاد، وقيل: «ما» ظرفية، والمعنى مدة علوهم وغلبتهم على البلاد.

وقوله سبحانه: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ... الآية: يقول اللَّه عزَّ وجلَّ لبقية بني إِسرائيل: عسى ربكم إِن أطعتم في أنفسكم واستقمتم أنْ يرحمكم، وهذه العِدَةُ ليست برجوعِ دولةٍ، وإِنما هي بأنْ يرحم المطيع منهم، وكان من الطاعة اتباعهم لعيسى ومحمَّد عليهما السلام، فلم يفعلوا، وعادوا إلى الكفر والمعصية، فعاد عقابُ اللَّه عليهم بِضَرْبِ الذَّلة عليهم، وقتلِهمْ وإذلالِهمْ بِيَدِ كلِّ أمة، و «الحصير» : من الحَصْر بمعنى السَّجْن، وبنحو هذا فسَّره مجاهد وغيره «١» ، وقال الحسن: «الحصير» في الآية: أراد به ما يفترشُ ويُبْسَطُ كالحصير المعروف عند الناس «٢» .

قال ع «٣» : وذلك الحصيرُ أيضا هو مأخوذ من الحصر.


(١) أخرجه الطبري (٨/ ٤٢) برقم: (٢٢١٠٦) ، ذكره ابن عطية (٣/ ٤٤٠) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣/ ٢٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٣٠٠) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (٨/ ٤٢) برقم: (٢٢١٠٩) ، وذكره البغوي (٣/ ١٠٧) ، وابن عطية (٣/ ٤٤٠) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣/ ٢٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٣٠٠) ، وعزاه لعبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٤٤٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>