للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعلم، وروي عنه عليه السلام أنه قال: «لكون الميِّتُ في قَبْرِهِ كالغَرِيقِ يَنْتَظرُ دَعْوَةً تَلْحَقُهُ من ابْنِهِ أَو أَخِيهِ أو صَدِيقِهِ، فَإِذَا لَحِقَتْهُ، كَانَتْ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدَّنْيا وَمَا فِيهَا» والأخبارُ في هذا الباب كثيرةٌ انتهى من «العاقبة» .

ت: وروى مالك في «الموطإ» عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيَّب، أنه قال: كان يقال: إِن الرجُلَ ليُرْفَعُ بدعاءِ ولده من بعده وأشارَ بيَدِهِ نحو السماء «١» . قال أبو عمرو: وقد روّيناه بإسناد جيِّدٍ، ثم أسند عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْفَعُ العَبْدَ الدَّرَجَةَ، فَيقُولُ: أَيْ رَبِّ، إِنَّى لي هَذِهِ الدَّرَجَةُ؟ فَيقالُ: باسْتِغْفَارَ وَلَدِكَ لَكَ» انتهى من «التمهيد» «٢» ، وروِّينا في «سنن أبي داود» أنَّ رجُلاً مِنْ بني سَلَمَةَ قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَقيَ مِنْ برِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ، أَبُّرُهُمَا/ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: نَعَمْ الصَّلاَةُ عَلَيْهما، والاسْتِغْفَارُ لَهُما وإِنْفَاذُ عَهْدِهِما مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصَلَةُ الرَّحِمِ التي لاَ تُوَصَلُ إِلاَّ بِهمَا، وإِكْرَامُ صَدِيِقِهَما» «٣» انتهى.

وقوله سبحانه: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ... الآية: قال الجمهورُ: الآية وصيةٌ للنَّاس كلِّهم بصلة قرابتهم، خوطِبَ بذلك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والمراد الأمة، «والحَقُّ» ، في هذه الآية، ما يتعيَّن له مِنْ صلة الرحم، وسدِّ الخُلْة، والمواساةِ عند الحاجة بالمالِ والمعونةِ بكلِّ وجْه قال بنحو هذا الحسنُ وابن عباس وعكرمة «٤» وغيرهم، «والتبذير» إِنفاق المال في فسادٍ أو في سرفٍ في مباحٍ.

وقوله تعالى: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ، أي: عمَّن تقدَّم ذكره من المساكين وابن السبيل، فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً، أي: فيه ترجيةٌ بفضل اللَّه، وتأنيسٌ بالميعاد الحسنِ، ودعاءٌ في توسعة اللَّه وعطائه، وروي أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يقولُ بَعْدَ نزولِ هذه الآية، «إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُعْطِي: يَرْزُقُنا اللَّهُ وإيّاكم من فضله» «٥» والرحمة على هذا التأويل: الرزق


(١) أخرجه مالك في «الموطأ» (١/ ٢١٧) كتاب «القرآن» باب: العمل في الدعاء، حديث (٣٨) .
(٢) أخرجه أحمد (٢/ ٥٠٩) من حديث أبي هريرة، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠/ ٢١٣) ، وقال:
رواه أحمد، والطبراني في «الأوسط» ، ورجالهما رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة، وقد وثق.
(٣) أخرجه أبو داود (٢/ ٧٥٨) كتاب «الأدب» باب: في برّ الوالدين، حديث (٥١٤٢) ، وابن ماجه (٢/ ١٢٠٨- ١٢٠٩) كتاب «الأدب» باب: «صل من كان أبوك يصل» ، حديث (٣٦٦٤) ، والحاكم (٤/ ١٥٤- ١٥٥) ، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(٤) أخرجه الطبري (٨/ ٦٧) برقم: (٢٢٢٤٠) ، وذكره ابن عطية (٣/ ٤٥٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٣١٩) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن المنذر، عن الحسن رضي الله عنه.
(٥) ينظر: «القرطبي» (١٠/ ٢٤٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>