للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ» والزُّورُ: مْشْتَقٌّ من الزَّوْرِ، وهو الميل «١» ، ومنه في جانب فلان زور،


- غريب إنما نعرفه من حديث سفيان بن زياد واختلفوا في رواية هذا الحديث عن سفيان بن زياد ولا يعرف لأيمن بن خريم سماعا من النبي صلى الله عليه وسلّم وقد اختلفوا في رواية هذا الحديث عن سفيان بن زياد.
وأخرجه الطبريّ في «تفسيره» (٩/ ١٤٤) رقم (٢٥١٣٤) عن عبد الله بن مسعود موقوفا. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٦٤٦) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني والخرائطي في «مكارم الأخلاق» .
(١) الزور: الكذب، والتزوير: تزيين الكذب، وزوّر الشيء حسّنه، وقومه، والزور مأخوذ من زور يزور، بمعنى مال، وانحرف، فالشاهد الذي يشهد بخبر كاذب يسمى شاهد زور، لأنه مائل عن الحق، منحرف عن الصدق.
وشهادة الزور من أكبر الكبائر، وقد قرن الله (تعالى) بينها وبين الشرك، فقال تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ.
وعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر» ؟! قلنا: بلى يا رسول الله، قال «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين» ، وكان متكئا، فجلس وقال: «ألا وقول الزور، وشهادة الزور» حتى قلنا: ليته سكت.
واختلف أهل العلم في كيفية ثبوت شهادة الزور، فقال الحنفية إن شاهد الزور لا يثبت كونه شاهد زور، إلا إذا أقر على نفسه، ولم يدع سهوا، أو غلطا.
واعترض على هذا صدر الشريعة، بأنه قد يعلم بدونه، كما إذا شهد بموت زيد، أو بأن فلانا قتله، ثم ظهر زيد حيا، أو برؤية الهلال، فمضى ثلاثون يوما، وليس في السماء علة، ولم ير الهلال.
وإنما لا تثبت شهادة الزور بالبينة، لأنها ستكون بينة على النفي، والبينة حجة للإثبات دون النفي.
وفي «المهذب» للشافعية: ويثبت أنه شاهد زور من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يقر أنه شاهد زور.
الثاني: أن تقوم البينة على أنه شاهد زور.
الثالث: أن يشهد بما يقطع بكذبه، بأن شهد على رجل أنه قتل، أو زنى في وقت معين في موضع معين، والمشهود عليه في ذلك الوقت كان في بلد آخر.
وأما إذا شهد بشيء أخطأ فيه، لم يكن شاهد زور، لأنه لم يقصد الكذب.
وإن شهد لرجل بشيء، وشهد به آخر أنه لغيره، لم يكن شاهد زور، لأنه ليس تكذيب أحدهما بأولى من تكذيب الآخر، فلم يقدح ذلك في عدالته.
وكذلك اختلفوا في عقوبة شاهد الزور، فقال أبو حنيفة (رضي الله تعالى عنه) : شاهد الزور يعزر بتشهيره على الملأ في الأسواق ليس غير.
وقال الصاحبان: نوجعه ضربا ونحبسه، وذكر شمس الأئمة السرخسي (رحمه الله تعالى) أنه يشهر عندهما أيضا، والتعزير والحبس على قدر ما يراه القاضي.
وقال بهذه الرواية مالك، والشافعي، والأوزاعي، وابن أبي ليلى.
لهما ما روي عن عمر (رضي الله تعالى عنه) أنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا وسخم وجهه، ولا يقال: الاستدلال بهذا غير مستقيم على مذهبهما، لأنهما لا يريان التسخيم، لأنه يحمل التسخيم على أنه كان سياسة. -

<<  <  ج: ص:  >  >>