للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من يعصيه، أو من عصيان من يستخلفُهُ اللَّهُ في أرضه وينعم علَيْه بذلك، وإِما على طريق الاِستعظامِ والإِكبار للفصلَيْن جميعاً الاستخلاف، والعصيان.

١٤ أوقال أحمد بن يَحْيَى/ ثَعْلَبٌ «١» وغيره: إنما كانت الملائكة قد رأَتْ، وعلمت ما كان من إفساد الجِنِّ، وسفكهم الدماء في الأرض فجاء قولهم: أَتَجْعَلُ فِيها ... «٢»

الآية على جهة الاستفهام المحض، هل هذا الخليفة يا ربَّنَا على طريقة من تقدَّم من الجِنِّ أم لا؟

وقال آخرون: كان اللَّه تعالى قد أعلم الملائكة أنه يخلق في الأرضِ خلْقاً يفسدون، ويسفكون الدماء، فلما قال لهم سبحانه بعد ذلك: إِنِّي جاعِلٌ قالوا: رَبَّنَا، أَتَجْعَلُ فِيها ... الآيةَ على جهة الاسترشاد والاستعلام، هل هذا الخليفةُ هو الذي كان أعلمهم به سبحانه قبل، أو غيره؟ ونحو هذا في «مختصر الطبريِّ» ، قال: وقولهم:

أَتَجْعَلُ فِيها ليس بإنكار لفعله عز وجلّ وحكمه، بل استخبارٌ، هل يكون الأمر هكذا، وقد وجَّهه بعضهم بأنهم استعظموا الإِفسادَ وسفْكَ الدماء فكأنهم سألوا عن وجه الحكمة في ذلك إذ علموا أنه عز وجل لا يفعل إِلا حكمة. انتهى.

ت: والعقيدة أن الملائكة معصومون، فلا يقع منهم ما يوجب نقصانًا من رتبتهم، وشريف منزلتهم- صلوات اللَّه وسلامُهُ على جميعهم- والسفك صبُّ الدَّمِ، هذا عُرْفُه، وقولهم: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ.

قال بعض المتأوّلين: هو على جهة الاستفهام كأنهم أرادوا: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ... الآيةَ، أم نتغير عن هذه الحال؟

قال ع «٣» : وهذا يحسن مع القول بالاستفهام المحْضِ في قولهم: أَتَجْعَلُ.

وقال آخرون: معناه: التمدُّح ووصف حالهم، وذلك جائز لهم كما قال يوسُفُ:

إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: ٥٥] ، وهذا يحسن مع التعجُّب والاستعظام لأن يستخلف الله


(١) هو: أبو العباس أحمد بن يحيى بن يسار، وقيل: سيار الشيباني، المعروف بثعلب، إمام الكوفيين في النحو واللغة. صنف: «المصون في النحو» ، و «معاني القرآن» ، و «ما تلحن فيه العامة» ، و «الفصيح» وغيرها. توفي (٢٩١ هـ) .
ينظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» (١/ ٣٠) ، و «بغية الوعاة» (١/ ٢٩٦) ، و «غاية النهاية» (١/ ١٤٨) .
(٢) ينظر: ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١١٧) .
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١١٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>