للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: وَذِكْرى معناه: موعِظَةٌ وتذكرةٌ يَعْتَبِرُ بها أُولُو العقولِ، وَيَتَأَسَّوْنَ بِصَبْرِهِ في الشدائدِ، ولا يَيْئَسُونَ من رحمة اللَّه على حال.

ورُوِي أن أيّوب ع كانت زوجَتُهُ مدَّةَ مَرَضِه تَخْتَلِفُ إلَيْه فيتلقَّاها الشيطانُ في صورة طَبِيبٍ، ومرةً في هيئة نَاصِح وعلى غير ذلك، فيقول لها: لو سَجَدَ هذَا المريضُ للصَّنَمِ الفُلاَنِيِّ لَبَرِىءَ، لَوْ ذَبَحَ عَنَاقاً للصَّنَمِ الفُلاَنِيِّ لَبِرىءَ، ويَعْرِضُ عليها وجوهاً من الكفر، فكانَتْ هي ربَّما عرضت شَيْئاً من ذلك على أيوب، فيقولُ لها: لقيتِ عَدُوَّ اللَّهِ في طريقك، فلمَّا أغْضَبَتْهُ بهذا ونحوِهِ حلَفَ عليها لَئِن برىء من مرضِه ليضربنَّها مائةَ سَوْطٍ، فلما بَرِىءَ أَمَرَه اللَّه تعالى أن يأخُذَ ضِغْثاً فيه مائةُ قَضِيبٍ، «والضغثُ» : القبضةُ الكبيرةُ من القضبانِ ونحوِها مَنَ الشجرِ الرَّطْبِ قاله الضَّحَّاكُ «١» وأهلُ اللغة، فيضربُ بهِ ضربةً واحدةً، فَتَبَرُّ يمينُهُ وهذا حكمٌ قد وَرَدَ في شرعِنا عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم [مِثلُه في حدِّ الزنا لرجُلِ زَمِنٍ، فأمَرَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم] «٢» بِعِذْقِ نَخْلَةٍ فِيهِ شَمَارِيخُ مِائَةٌ أو نَحْوُهَا، فَضُرِبَ ضَرْبَةً «٣» ، ذكر الحديثَ أبو داود، وقال بهذا بعضُ فقهاء الأمة، وَلَيْسَ يرى ذلك مالكُ بنَ أنس وأصحابه، وكذلك جمهورُ العلماء على ترك القول به، وأن الحدودَ والبِرَّ في الأيمانِ لا تقع إلا بتمام عَدَدِ الضَّرَبَاتِ، وقرأ الجمهور «أولي الأيدي» «٤» يعني: أولي القوة في طاعةِ اللَّه قاله ابن عباس ومجاهد «٥» ، وقالت فرقة: معناه: أولى الأيدي والنِّعَمِ الَّتي أسْدَاها اللَّهُ إليهم من النبوَّة والمكانةِ، وَالْأَبْصارِ عبارةٌ عن البصائِر، أي: يُبْصرونَ الحقائِقَ وينظرونَ بنورِ اللَّهِ تعالى، وقرأ نافع وحده: «بخالصة ذكرى الدّار» «٦» ، على


(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٩١) برقم: (٢٩٩٥٦) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٥٠٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥٩١) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عبّاس.
(٢) سقط في: د.
(٣) أخرجه أبو داود (٢/ ٥٦٧) كتاب «الحدود» باب: في إقامة الحد على المريض (٤٤٧٢) ، وابن ماجه (٢/ ٨٥٩) كتاب «الحدود» باب: الكبير والمريض يقام عليه الحد (٢٥٧٤) ، وأحمد (٥/ ٢٢٢) .
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٥٠٩) ، و «البحر المحيط» (٧/ ٣٨٥) ، و «الدر المصون» (٥/ ٥٣٧) .
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٩٢) برقم: (٢٩٩٦٠) عن ابن عبّاس، وبرقم: (٢٩٩٦٣) عن مجاهد، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٦٦) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٥٠٩) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٤٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥٩٣) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس، ولعبد بن حميد عن مجاهد.
(٦) ينظر: «السبعة» (٥٥٤) ، و «الحجة» (٦/ ٧٢) ، و «معاني القراءات» (٢/ ٣٢٨) ، و «شرح الطيبة» (٥/ ١٩٢) ، و «العنوان» (١٦٣) ، و «حجة القراءات» (٦١٣) ، و «شرح شعلة» (٥٦٥) ، و «إتحاف» (٢/ ٤٢٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>