للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال شَهْرُ بن حَوْشَبٍ: كان من الْجِنِّ الذين كانوا في الأرض، وقاتلتهم الملائكةُ فسَبَوْهُ صغيراً، وتعبَّد مع الملائكة، وخُوطِبَ معها، وحكاه الطبريّ عن ابن مسعود «١» .

والاستثناء على هذا الأقوال منقطعٌ واحتجَّ بعض أصحاب هذا القول بأن اللَّه تعالى قال في صفة الملائكة: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ [التحريم: ٦] ورجَّح الطبريُّ قَوْلَ من قال: إن إِبليسَ كان من الملائكَةِ، وقال «٢» : ليس في خلقه مِنْ نارٍ، ولا في تركيبِ الشَّهْوَةِ والنسلِ فيه حينَ غُضِبَ عليه ما يدْفَعُ أنه كان من الملائكة، وقوله تعالى:

كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف: ٥٠] يتخرَّج على أنه عمل عملهم، فكان منهم في هذا، أو على أن الملائكة قد تسمى جِنًّا لاستتارها قال اللَّه تعالى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصافات: ١٥٨] وقال الأعشى في ذكر سليمانَ عليه السلام: [الطويل]

وَسَخَّرَ مِنْ جِنِّ المَلاَئِكِ تِسْعَةً ... قِيَاماً لَدَيْهِ يَعْمَلونَ بِلاَ أَجْرِ «٣»

أو على أن يكون نسبه إلى الجَنَّةِ كما ينسب إلى البَصْرَةِ بِصْرِيَّ.

قال عِيَاضٌ: ومما يذكرونه قصَّةُ إبليس، وأنه كان من الملائكة، ورئيساً فيهم، ومن خُزَّان الجَنَّة إلى ما حكَوْه، وهذا لم يتفقْ عليه، بل الأكثر ينفون ذلك، وأنه أبو الجن.

انتهى من «الشِّفا» «٤» .

وإِبْلِيسُ: لا ينصرفُ لأنه اسم أعجميٌّ قال الزَّجَّاج: ووزنه فِعْلِيلُ، وقال ابن عبَّاس وغيره: هو مشتقٌّ من أُبْلِسَ، إِذا أبعد عن الخير، ووزنه على هذا إفعيل «٥» ، ولم


(١) أخرجه الطبري (١/ ٢٦٣) برقم (٦٩٨) ، وذكره القرطبي (١/ ٢٥١) .
(٢) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٥٠٨) .
(٣) البيت للأعشى وقبله:
ولو كان شيء خالدا أو معمّرا ... لكان سليمان البريء من الدّهر
براه إلهي واصطفاه عباده ... وملّكه ما بين ثريا إلى مصر
ينظر: «ملحق ديوانه» (٢٤٣) ، و «اللسان» (جنن) ، و «تفسير الطبري» (١/ ٥٠٦) ، و «القرطبي» (١/ ٢٩٥) ، و «البحر المحيط» (١/ ٣٠٤) ، و «الدر المصون» (١/ ١٨٦) ، و «روح المعاني» (١/ ٢٣٠) وقال: وكون الملائكة لا يستكبرون- وهو قد استكبر- لا يضر، إما لأن من الملائكة من ليس بمعصوم- وإن كان الغالب فيهم العصمة على العكس منا- وفي «عقيدة أبي المعين النسفي» ما يؤيد ذلك، وإما لأن إبليس سلبه الله (تعالى) الصفات الملكية، وألبسه ثياب الصفات الشيطانية، فعصى عند ذلك، والملك ما دام ملكا لا يعصي.
(٤) ينظر: «الشفا» ص (٨٥٨) .
(٥) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٢٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>