للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: بئس قول الرجل لأخيه: يا فاسق بعد إيمانه وعن حذيفةَ- رضي اللَّه عنه- قال: شكوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذَرَبَ لِسَانِي، فَقَالَ: «أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ؟! إنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ» «١» رواه النسائي واللفظُ له، وابنُ ماجه، والحاكمُ في «المستدرك» ، وقال: صحيح على شرط مسلم، وفي رواية للنسائي: «إنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في الْيَوْمِ وَأَتُوبُ إلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ» «٢» ، والذَّرَبُ- بفتح الذال والراء- هو الفُحْشُ، انتهى من «السلاح» ، ومنه عن ابن عمر: «إنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المَجْلِسِ الوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ:

رَبِّ اغفر لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمِ» «٣» رَوَاه أبو داود، وهذا لفظه، والترمذي والنسائي، / وابن ماجه، وابن حبان في «صحيحه» ، وقال الترمذيُّ: حسن صحيح غريب، انتهى.

ثم أمر تعالى المؤمنين باجتناب كثير من الظن، وأَلاَّ يعملوا ولا يتكلموا بحسبه لما في ذلك وفي التجسس من التقاطُع والتَّدَابُرِ، وحكم على بعضه أَنَّه إثم، إذ بعضُه ليس بإثم، والظَّنُّ المنهيُّ عنه هو أَنْ تَظُنَّ شرًّا برجل ظاهره الصلاح، بلِ الواجب أنْ تزيل الظن وحكمه، وتتأوَّلَ الخيرَ قال ع «٤» : وما زال أولو العزم يحترسون من سُوءِ الظنِ، ويجتنبون ذرائعه، قال النوويُّ: واعلم أَنَّ سوء الظن حرام، مثل القول، فكما يَحْرُمُ أَنْ تحدّث غيرك بمساوئ إنسان- يَحْرُمُ أَنْ تحدث نفسَك بذلك، وتسيءَ الظّنّ به وفي الصحيح عنه صلّى الله عليه وسلّم: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإنَّهُ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» «٥» والأحاديث بمعنى ما ذكرناه


(١) أخرجه النسائي (٦/ ١١٧) - «الكبرى» كتاب «عمل اليوم والليلة» باب: ما يقول من كان ذرب اللسان (١٠٢٨٤/ ٣) ، وابن ماجه (٢/ ١٢٥٤) كتاب «الأدب» باب: الاستغفار (٣٨١٧) ، والحاكم (١/ ٥١١) نحوه.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(٢) أخرجه النسائي (٦/ ١١٧) ، كتاب «عمل اليوم والليلة» باب: ما يقول من كان ذرب اللسان (١٠٢٨٢/ ١) .
(٣) أخرجه أبو داود (١/ ٤٧٥) كتاب «الصلاة» باب: في الاستغفار (١٥١٦) ، والترمذي (٥/ ٤٩٤- ٤٩٥) كتاب «الدعوات» باب: ما يقول إذا قام من المجلس (٣٤٣٤) ، وابن ماجه (٢/ ١٢٥٣) كتاب «الأدب» باب: الاستغفار (٣٨١٤) ، وأحمد (٢/ ٢١، ٦٧، ٨٤) ، وابن حبان (٨/ ١١٤) - الموارد (٢٤٥٩) ، و (٣/ ٢٠٦- ٢٠٧) كتاب «الرقائق» باب: الأدعية ذكر وصف الاستغفار الذي كان يستغفر صلّى الله عليه وسلّم بالعدد الذي ذكرناه (٩٢٧) ، والنسائي في «الكبرى» (٦/ ١١٩) كتاب «عمل اليوم والليلة» باب: كيف الاستغفار (١٠٢٩٢/ ١) .
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ١٥١) .
(٥) أخرجه البخاري معلقا بصيغة الجزم (٥/ ٤٤١) ، كتاب «الوصايا» باب: قول الله عز وجل: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ [النساء: ١٢] ، وقال ابن حجر: هو طرف من حديث وصله المصنف في

<<  <  ج: ص:  >  >>