للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ- وفي رِوَايَةٍ: «مِنْ أُمَّتِي» عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ على أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ في السَّمَاءِ إضَاءَةً» «١» ، وفي رواية:

«ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ» الحديثَ، وفي «صحيح مسلم» أيضا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ في الجَنَّةَ لَسُوقاً يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمْعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ، فَتَحْثُو في وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، وَيَزْدَادُونَ حُسْناً وَجَمَالاً، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: واللَّهِ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمَالاً! فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ واللَّهِ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمَالاً» «٢» ، انتهى، وقد أشار الغَزَّاليُّ وغيره إلى طَرَفٍ من هذا المعنى، لَمَّا تكلَّم على رؤية العارفين للَّه سبحانه في الآخرة، قال بعد كلام: ولا يَبْعُدُ أَنْ تكونَ ألطاف الكشف والنظر في الآخرة متواليةً إلى غير نهاية، فلا يزالُ النعيمُ واللَّذَّةُ متزايداً أبَدَ الآبادِ، وللشيخ أبي الحسن الشاذلي هنا كلام حسن قال: لو كُشِفَ عن نور المؤمن لعبد من دون اللَّه، ولو كُشِفَ عن نور المؤمن العاصي لطبق السماء والأرض، / فكيف بنور المؤمن المطيع؟! نقل كلامه هذا ابن عطاء اللَّه وابن عَبَّاد، انظره.

ثم وصف تعالى عنهم أَنَّهُم في جملة تنعمهم يَتَساءَلُونَ أي: عن أحوالهم وما نال كُلَّ واحد منهم، وأَنَّهم يتذكرون حالَ الدنيا وخشيتَهم عذابَ الآخرة، والإشفاقُ أشدّ الخشية ورقّة القلب، والسَّمُومِ: الحارّ، ونَدْعُوهُ: يحتمل أَنْ يريد: الدعاءَ على بابه، ويحتمل أنْ يريد نعبده، وقرأ نافع والكسائيُّ: «أَنَّهُ» - بفتح الهمزة-، والباقون بكسرها «٣» والْبَرُّ الذي يبرّ ويحسن.


(١) أخرجه البخاري (٦/ ٣٦٧) كتاب «بدء الخلق» باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (٣٢٤٥، ٣٢٤٦، ٣٢٥٤) ، (٦/ ٤١٧) ، كتاب «أحاديث الأنبياء» باب: خلق آدم وذريته (٣٣٢٧) ، ومسلم (٤/ ٢١٧٨) ، (٢١٨٠) ، كتاب «الجنة وصفة نعيمها وأهلها» باب: أول زمرة تدخل الجنة على هيئة القمر ليلة البدر، وصفاتهم وأزواجهم (١٤/ ٢٨٣٤) - مكرر، (١٥- ١٦/ ٢٨٣٤) ، والترمذي (٤/ ٦٧٨) ، كتاب «صفة الجنة» باب: في صفة أهل الجنة (٢٥٣٧) ، وأحمد (٢٠، ٢٣٠، ٢٣١، ٢٣٢، ٢٤٧، ٢٥٣، ٢٥٧، ٣١٦، ٥٠٢، ٥٠٧) ، وابن ماجه (٢/ ١٤٤٩) ، كتاب «الزهد» باب: صفة الجنة (٤٣٣٣) ، وابن حبان (١٦/ ٤٣٦) ، كتاب «إخباره صلّى الله عليه وسلّم عن مناقب الصحابة» باب: وصف الجنة وأهلها (٧٤٢٠) ، (١٦/ ٤٦٣- ٤٦٤) ، كتاب «إخباره صلّى الله عليه وسلّم عن مناقب الصحابة» باب: وصف الجنة وأهلها (٧٤٣٦- ٧٤٣٧) ، والحميدي (٢/ ٤٨٣- ٤٨٤) (١١٤٣) ، والدارمي (٢/ ٣٣٣- ٣٣٤) ، كتاب «الرقائق» باب: في أول زمرة يدخلون الجنة، وابن المبارك في «الزهد» (١/ ٥٤٩) (١٥٧٥) ، (١/ ٥٥٢) (١٥٨٥) مثله ونحوه.
قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
(٢) أخرجه مسلم (٤/ ٢١٧٨) ، كتاب «الجنة وصفة نعيمها» باب: في سوق الجنة وما ينالون فيها من النعيم (١٣/ ٢٨٣٣) .
(٣) ينظر: «السبعة» (٦١٣) ، و «الحجة» (٦/ ٢٢٧) ، و «معاني القراءات» (٣/ ٣٤) ، و «شرح الطيبة» (٦/ ٢٣) ، و «العنوان» (١٨١) ، و «حجة القراءات» (٦٨٣) ، و «شرح شعلة» (٥٩٠) ، و «إتحاف» (٢/ ٤٩٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>