للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معناه: مروهم بالمَعْروف، وانهوهم عن المُنْكَر «١» ، وقال أبو العالية: قولوا لهم الطيبَ من القول، وحاورُوهم بأحسن ما تُحِبُّونَ أن تحاوروا به «٢» ، وهذا حضٌّ على مكارم الأخلاق، وزكاتُهم هي التي كانوا يَضعُونها، وتنزل النار على ما تقبّل منها، دون ما لم يتقبل.

٢٧ أوقوله تعالى: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ ... الآية: خطابٌ لمعاصري النبيِّ صلّى الله عليه وسلم أسند إليهم تولّي أسلافهم إِذ هم كلُّهم بتلك السبيل، قال نحوه ابنُ عَبَّاس وغيره «٣» . والمراد بالقليلِ المستثنى جميعُ مؤمنيهم قديماً من أسلافهم، وحديثاً كابن سَلاَمٍ وغيره، والقِلَّة على هذا هي في عدد الأشخاصِ، ويحتمل أن تكون القِلَّة في الإِيمان، والأول أقوى.

ص «٤» : إِلَّا قَلِيلًا: منصوب على الاستثناء، وهو الأفصح لأنه استثناءٌ من موجب، وروي عن أبي عَمرو «٥» : «إلاَّ قَلِيلٌ» بالرفع، ووجَّهه ابن عطية على بدل قليل من ضمير: «تَوَلَّيتُمْ» على أن معنى «تَوَلَّيْتُم» النفي، أي: لم يف بالميثاق إلا قليل، ورد بمنع النحويِّين البدل من الموجب لأن البدل يحل محلَّ المبدل منه، فلو قلْت: قام إلا زيد، لم يجز لأن «إِلاَّ» لا تدخل في الموجب، وتأويله الإِيجاب بالنفْي يلزم في كل موجب باعتبار نفي ضده أو نقيضه فيجوز إِذَنْ: «قَامَ القَوْمُ إلاَّ زَيْدٌ» على تأويل: «لَمْ يَجْلِسُوا إِلاَّ زَيْدٌ» ولم تبن العَرَب على ذلك كلامها، وإِنما أجازوا: «قام القَوْمُ إِلاَّ زَيْدٌ» بالرفع على الصفة، وقد عقد سيبوَيْه «٦» لذلك بابا في كتابه. انتهى.

ودِماءَكُمْ: جمع دَمٍ، وهو اسمٌ منقوصٌ. أصله «دَمَيٌ» وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ


- ينظر: «الخلاصة» (١/ ٣٩٦) (٢٥٨٤) ، «ابن سعد» (٦/ ٢٥٧- ٢٦٠) ، و «الحلية» (٦/ ٣٥٦- ٤٩٣) ، و (٧/ ٣- ١٤١) .
(١) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ١٧٣) عن سفيان الثوري.
(٢) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ١٧٣) عن أبي العالية.
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٤٣٨) برقم (١٤٦٥) بلفظ: «أي تركتم ذلك كله» ، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٦٥) ، وعزاه لابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٤) «المجيد» ص ٣١٩.
(٥) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٧٣) ، و «البحر المحيط» (١/ ٤٥٥) ، و «الدر المصون» (١/ ٢٨٠) ، و «حاشية الشيخ زادة على البيضاوي» (١/ ٣٤٥) .
وهو زيان (وقيل غير ذلك) أبو عمرو بن العلاء، البصري، أحد القراء السبعة، قرأ على سعيد بن جبير، وشيبة بن نصاح، وعاصم بن أبي النجود، روى القراءة عنه عرضا وسماعا حسين بن علي الجعفي، وخارجة بن مصعب، مات سنة ١٥٤ هـ.
ينظر: «غاية النهاية» (١/ ٢٨٨) ، و «طبقات الزبيدي» (ص ٣٥) .
(٦) ينظر: «الكتاب» (٢/ ٣٣٠- ٣٣١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>