للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحُسْن صفةٌ نفسيَّةٌ للحَسَنِ، ومراد اللَّه تعالى حَسَنٌ «١» ، وقد قامت الأدلَّة على أنَّ الأوامر لا


(١) لا قبح عقلا وشرعا في شيء من الأشياء من حيث كونه مخلوقا لله (تعالى) ، سواء كانت أفعال العباد أو لا لأن مالك الأمور كلها يفعل ما يشاء. وأما أفعال العباد من حيث كونها مكسوبة للعباد، فقد تتصف بالحسن والقبح الشرعيين. هذا عند الأشاعرة، وأما المعتزلة فقد قالوا: القبيح قبيح في نفسه، فيقبح من الله (تعالى) كما يقبح منا، وكذا الحسن، وقد يدركان بالعقل، فوقع الاختلاف بين الفريقين في أن العقل هل له حكم في حسن الأفعال وقبحها أم لا. بل الحاكم بهما الشرع فقط؟! وتفصيل المقام على ما في شرح «المواقف» : أن العلماء قد ذكروا أن الحسن والقبح يطلقان على ثلاثة معان: الأول:
كون الفعل صفة كمال كالعلم، وكونه صفة نقصان كالجهل، ولا نزاع بين الفريقين في أن الحسن والقبح بهذا المعنى يدركان بالعقل فإن العقل يحتم بأن العلم حسن، والجهل قبيح، ولا يتوقف على حكم الشرع بالحسن والقبح فيهما. والمعنى الثاني: كون الفعل ملائما للغرض أو منافرا له، فما وافق الغرض كان حسنا، وما خالفه كان قبيحا، وما خلا منهما لا يكون حسنا ولا قبيحا. وقد يعبر عن الحسن والقبح بهذا المعنى بالمصلحة والمفسدة، فيقال: الحسن ما فيه مصلحة، والقبيح: ما فيه مفسدة، وما خلا عنهما لا يكون حسنا ولا قبيحا. ولا نزاع في أن الحسن والقبح بهذا المعنى أيضا عقليان، أي يدركان بالعقل، لكن هذا المعنى يختلف بالاعتبار فإن قتل زيد مصلحة لأعدائه وموافق لغرضهم، ومفسدة لأوليائه ومخالف لغرضهم، والمعنى الثالث: كون الفعل متعلق المدح عاجلا والثواب آجلا، وكونه متعلق الذم عاجلا والعقاب آجلا. وهذا المعنى الثالث هو محل النزاع، فالحسن والقبح بهذا المعنى عند الأشعري شرعي وذلك لأنهما لا يكونان لذات الفعل، وليس للفعل صفة لأجلها يكون الفعل حسنا وقبيحا بهذا المعنى الثالث حتى يدرك العقل ما به الحسن والقبح، ويحكم بالحسن والقبح، بل كل ما أمر الشارع به فهو حسن، وكل ما نهى الشارع عنه قبيح، حتى لو عكس الأمر لانعكس الحال. وقالت المعتزلة: للفعل في نفسه (أي مع قطع النظر عن الشرع) جهة محسنة مقتضية لاستحقاق فاعله مدحا وثوابا أو مقبحة مقتضية لاستحقاق فاعله ذما وعقابا. ثم إن تلك الجهة المقتضية لهما هو ذات الفعل عند جمهور المتقدمين منهم، وصفة حقيقة زائدة على ذات الفعل عند بعض المتقدمين منهم. وقال الجبائي منهم: ليس حسن الأفعال وقبحها لذواتها ولا لصفات حقيقية لها، بل لوجوه واعتبارات وأوصاف إضافية تختلف بحسب الاعتبار كما في لطم اليتيم للتأديب. ثم إن المعتزلة قالوا: إن من الحسن والقبح ما يدركه العقل ضرورة من غير نظر واستدلال، كحسن الصدق النافع، وقبح الكذب الضار. ومنهما ما يدركه العقل بالنظر والاستدلال، كقبح الصدق الضار، وحسن الكذب النافع. ومنهما ما لا يدركه العقل لا بالضرورة ولا بالاستدلال، كحسن صوم آخر رمضان، وقبح صوم أول شوال، لكن إذا ورد به الشرع، وعلم أن ثمة جهة محسنة ومقبحة، فإدراكه الحسن والقبح في هذا القسم موقوف على كشف الشرع عنهما بأمره ونهيه. وللماتريدية موافقة للمعتزلة في أن حسن بعض أفعال العباد وقبحها يكونان لذات الفعل أو لصفة له، ويعرفان عقلا كما يعرفان شرعا.
ينظر: «نشر الطوالع» (ص ٢٧٨- ٢٨٠) ، «البحر المحيط» للزركشي (١/ ١٤٣، ١٦٨) ، «البرهان» لإمام الحرمين (١/ ٨٧) ، «سلاسل الذهب» للزركشي (٩٧) ، «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (١/ ٧٦) ، «التمهيد» للأسنوي (٦١- ٦٢) ، «نهاية السول» له (١/ ٨٨) ، «زوائد الأصول» له (١٩٥) ، «منهاج العقول» للبدخشي (١/ ٦٧٠) ، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري (٧) ، «التحصيل من المحصول» للأرموي (١/ ١٧٥- ١٨٠) ، «المنخول» للغزالي (٨) ، «المستصفى» له (١/ ٥٥) ، «حاشية البناني» (١/-

<<  <  ج: ص:  >  >>