للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ص: إِلَّا الَّذِينَ استثناءٌ متَّصِلٌ، قاله ابن عباس وغيره، أي: لئلاَّ تكون حجةٌ من اليهود المعاندين القائلين ما ترك قبلتنا، وتوجَّه للكعبة إِلاَّ حبًّا لبلده، وقيل:

منقطع، أي: لكن الذين ظلموا منهم فإِنهم يتعلَّقون عليكم بالشُّبَه، وزعم أبو عُبَيْدة مَعْمَرُ بْنُ المثنى: إن «إِلاَّ» في الآية بمعنى «الواو» ، قال ومنه: [الوافر] :

وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوه ... لَعَمْرُ أَبِيكَ إِلاَّ الفَرْقَدَانِ «١»

أي: والَّذين ظلموا، وَالفَرْقَدَان، ورُدَّ بأنَّ «إِلاَّ» بمعنى الواو ولا يقوم علَيْه دليلٌ.

انتهى.

وقوله تعالى: فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ أمر باستقبال القبْلَة، وهو شرطٌ في الفرض إِلاَّ في القتالِ حالة الالتحامِ، وفي النوافل إِلا في السفرِ الطويلِ للرَّاكب، والقدرةُ على اليقينِ في مصادفتها تَمْنَعُ من الاِجتهادِ، وعلى الاِجتهادِ تَمْنَعُ من التقليد.

وقوله سبحانه: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ عطْفٌ على قوله: «لَئِلاَّ» وقيل: هو في موضع رفع بالاِبتداء، والخبرُ مضمرٌ، تقديره: ولأتمَّ نعمتي عليكم، عرَّفتكم قبلتي، ونحوهُ، وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ترجٍّ في حقِّ البشر، والكافُ في قوله: «كَمَا» ردٌّ على قوله:

«وَلأُتِمَّ» ، أي: إِتماماً كما، وهذا أحسنُ الأقوال، أي: لأتم نعمتي عليكم في بيان سُنَّة إِبراهيم عليه السلام/ كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ إِجابة لدعوته في قوله: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [البقرة: ١٢٩] . ٣٩ أ


(١) البيت لعمرو بن معد يكرب في ديوانه (ص ١٧٨) و «الكتاب» (٢/ ٣٣٤) و «لسان العرب» (١٥/ ٤٣٢) (ألا) و «الممتع في التصريف» (١/ ٥١) والحضرمي بن عامر في «تذكرة النحاة» (ص ٩٠) و «حماسة البحتري» (ص ١٥١) و «الحماسة البصرية» (٢/ ٤١٨) و «شرح أبيات سيبويه» (٢/ ٤٦) و «المؤتلف والمختلف» (ص ٨٥) ولعمرو أو لحضرمي في «خزانة الأدب» (٣/ ٤٢١) و «الدرر» (٣/ ١٧٠) و «شرح شواهد المغني» (١/ ٢١٦) وبلا نسبة في «الأشباه والنظائر» (٨/ ١٨٠) و «أمالي المرتضى» (٢/ ٨٨) و «الإنصاف» (١/ ٢٦٨) و «الجنى الداني» (ص ٥١٩) و «خزانة الأدب» (٩/ ٣٢١، ٣٢٢) و «رصف المباني» (ص ٩٢) و «شرح الأشموني» (١/ ٢٣٤) و «شرح المفصل» (٢/ ٨٩) و «العقد الفريد» (٣/ ١٠٧، ١٣٣) و «فصل المقال» (ص ٢٥٧) و «مغني اللبيب» (١/ ٧٢) و «المقتضب» (٤/ ٤٠٩) و «همع الهوامع» (١/ ٢٢٩) .
واستشهد به على نعت «كلّ» بقوله: «إلّا الفرقدان» على تقدير «غير» . وفيه ردّ على المبرد الذي زعم أنّ الوصف ب «إلّا» لم يجىء إلّا فيما يجوز فيه البدل. ف «إلّا الفرقدان» صفة، ولا يمكن فيه البدل.
(والفرقدان) نجمان قريبان من القطب، لا يفارق أحدهما الآخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>