للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يلزم من عدم ثبوتِهِ عِنْده ألاَّ يثبت عنْد غيره، وقد ذكر أحمدُ بن نصرٍ الدَّاووديُّ في تفسيره أنَّ هذه الآية نزلَتْ في الأخْنَس بْنِ شريق. انتهى، وسيأتي للطبريِّ نحوه.

وقال قتادةُ، وجماعة: نزلَتْ هذه الآيةُ في كل مُبْطِن كُفْرٍ، أو نفاقٍ، أو كذبٍ، أو ضرارٍ، وهو يظهر بلسانه خلافَ ذلك، فهي عامَّة «١» ، ومعنى: وَيُشْهِدُ اللَّهَ، أي:

يقول: اللَّه يعلم أنِّي أقول حقًّا، والأَلَدُّ: الشديدُ الخصومةِ الذي يَلْوِي الحجج في كل جانبٍ، فيشبه انحرافُه المَشْيَ في لَدِيديِ «٢» الوادي.

وعنه صلّى الله عليه وسلم: «أبغض الرّجال إلى الله الألدّ الخصم» .

وتَوَلَّى وسَعى: يحتمل معنيين:

أحدهما: أن يكونا فِعْلَ قَلْبٍ، فيجيء «تولى» بمعنى: ضَلَّ وغَضِبَ وأنف في نَفْسه، فسعى بِحِيَلِهِ وإِدارته الدوائر علَى الإِسلام نحا هذا المنحى في معنى الآية ابْنُ جُرَيْج، وغيره.

والمعنى الثاني: أن يكونا فِعْلَ شخصٍ، فيجيء «تَوَلَّى» بمعنى: أدبر ونَهَض وسعى، أي: بقدميه، فقطع الطريقَ وأفسدها، نحا هذا المنحَى ابن عبَّاس وغيره.

وقوله تعالى: وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ: قال الطبريُّ «٣» : المراد الأخنَسُ في إِحراقه الزرْعَ، وقتلِهِ الحُمُرَ.

قال ع «٤» : والظاهر أن الآية عبارةٌ عن مبالغته في الإِفساد.

ولا يُحِبُّ الْفَسادَ معناه: لا يحبُّه من أهل الصَّلاح، أو لا يحبُّه دِيناً، وإِلا فلا يقع إِلاَّ ما يحبُّ اللَّه وقوعه، والفسادُ: واقعٌ، وهذا على ما ذهب إِليه المتكلِّمون من أنَّ الحُبَّ بمعنى الإِرادة.

قال ع «٥» : والحُبُّ له على الإِرادة مزيَّة إِيثارٍ إِذ الحبّ من الله تعالى إنما هو


(١) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ٢٧٩) .
(٢) اللّديدان: جانبا الوادي. كل واحد منهما لديد. ينظر: «لسان العرب» (٤٠١٩) .
(٣) «جامع البيان» (٤/ ٢٣٨) . [.....]
(٤) «المحرر الوجيز» (١/ ٢٨٠) .
(٥) «المحرر الوجيز» (١/ ٢٨١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>