للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُكْرَهِ «١» .

قال ع «٢» : وطريقةُ النَّظَر أن تتأمَّل لفظة اللغْو، ولفظة الكَسْب، ويُحَكَّم موقعهما في اللغة، فكَسْب المرء ما قَصَده، ونواه، واللَّغْوُ: ما لم يتعمَّده، أو ما حقُّه لهجنته أن يسقط، فيقوَّى على هذه الطريقة بعْض الأقوال المتقدِّمة، ويضعَّف بعضها، وقد رفع اللَّه عز وجَلَّ المؤاخذة بالإِطلاق في اللَّغْو، فحقيقته: ما لا إِثم فيه، ولا كفارة، والمؤاخذةُ في الأيمان هي بعقوبةِ الآخِرَةِ في الغَمُوس «٣» المَصْبُورة، وفيما تُرِكَ تكفيره ممَّا فيه كفَّارة،


- والله» ، و «بلى والله» وهم الشافعية ورواية عن أبي حنيفة، وهو مروي عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة (رضي الله عنهم) ، والشعبي، وعكرمة، وعطاء، والقاسم وغيرهم. وسواء تعلق عندهم بالماضي أو بالمستقبل لقوله تعالى: لاَّ يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ... الآية. يقال: لغا يلغو. ولغا يلغا إذا تكلّم بما لا حقيقة له، ولا قصد له فيه، قال الأزهري: اللغو في كلام العرب على وجهين:
أحدهما: فضول الكلام، وباطله الذي يجري على غير عقد.
والثاني: ما كان فيه رفث وفحش ومأثم.
وقال قتادة في قوله (تعالى) : لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً [الغاشية: ١١] ما يؤثم. وقالت عائشة (رضي الله عنها) : «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال (يعني في اللّغو في اليمين) «هو كلام الرّجل في بيته: لا والله، وبلى والله» . أخرجه أبو داود، ورواه الزهري، وعبد الملك بن أبي سليمان، ومالك بن مغول عن عطاء عن عائشة موقوفا.
وقالت المالكية: هو الحلف على شيء يعتقده الحالف. أي: «يغلب على ظنّه فيظهر له خلافه» ، وهو مذهب الحنفية.
وقالت الحنابلة: هو ما جرى على اللسان من غير قصد، أو الحلف على شيء يعتقده، فيظهر له خلافه، ودليلهم ما تقدم للشافعية والمالكية والحنفية.
وإذا نظرنا إلى دليل كلّ وجدنا أن اللغو الذي ينبغي أن يعتبر هو: ما جرى على اللّسان من غير قصد فقط لأن هذا هو معنى اللغو في اللغة، والألفاظ تحمل على معانيها اللغوية ما لم يرد عن الشرع ما يحملها على خلافه، ولم يرد عنه ما يخالف ذلك، بل ورد ما يعضده، فقد أجابت عائشة (رضي الله عنها) حينما سئلت عن اللّغو في اليمين بأنه هو كلام الرجل في بيته: «لا والله، وبلى والله» . ووافقها على ذلك كثير من الصحابة والتابعين، فإن كان هذا القول قالته عن سماع من رسول الله صلّى الله عليه وسلم فالحجة فيه واضحة، وإن كان قولا منها، فهو تفسير لصحابي يعرف معاني الألفاظ اللغوية والمعاني الشّرعية، وقوله مقبول.
وأما حديث الرّماة، فقد قال الحافظ فيه: إنه لا يثبت لأنه من مراسيل الحسن، وهو ممن لا تعتبر مراسيله لأنه كان لا يتحرى الثقة. ينظر: «الكفارات» لشيخنا: حسن علي حسانين.
(١) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ٣١٠) .
(٢) «المحرر الوجيز» (١/ ٣٠٢) .
(٣) اليمين الغموس هي: الحلف على فعل أو ترك ماض كاذبا، سميت به لأنها تغمس صاحبها في الإثم. -

<<  <  ج: ص:  >  >>