للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتكلِّمين أنَّ تكليف ما لا يطاق جائزٌ عقلاً، ولا يخرم ذلك شيئاً من عقائِد الشَّرْع.

وذهب الطبريُّ «١» وغيره إِلى أنَّ تكليفَ ما لا يطاقُ غيْر جائزٍ، وأنَّ النسيان في الآية بمعنى التَّرْك أيْ: إِن تركنا شيئاً من طاعتك، والخَطَأ هو المقصودُ من العَصْيَان، والإِصْر هي العباداتُ الثقيلةُ كتكاليف بني إِسرائيل، وما لا طاقة للمرءِ به هو عندهم على تجوُّز كما تقولُ: لا طاقة لي على خصومة فُلاَنٍ، أو: لا طاقَةَ لَنَا به من حيث هو مهلكٌ كعذاب جهنَّم وغيره، ثُمَّ قال تعالى فيما أمر المؤمنين بقوله: وَاعْفُ عَنَّا، أي: فيما واقعناه، وَاغْفِرْ لَنا، أيْ: استر علينا ما عَلِمْتَ منا وَارْحَمْنا، أيْ: تَفضَّلْ مبتدئاً برَحْمَةٍ منك لنا، فهذه مناح من الدعاء متباينة، وأَنْتَ مَوْلانا: مدح في ضمنه تقرّب ٧٧ ب إِلَيْه، وشُكْر على نعمه، ومولى: هو من وَلِيَ، وفي الحديث/: أنَّ جبريلَ- عليه السلام- قال للنبيّ صلّى الله عليه وسلم: «قُلْ: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا» فقالَهَا، فَقَالَ جِبْرِيلُ: قَدْ فَعَلَ، قَالَ: قُلْ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُهَا فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: قَدْ فَعَلَ إلى آخِرِ السُّورةِ» «٢» .

وتظاهرتْ بهذا المعنى أحاديثُ، وروى أبو مسعودٍ عُقْبَةُ بن عمرٍو «٣» عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ، كَفَتَاهُ» «٤» يَعْنِي مِنْ قيام الليل، قال


- والذاب عن الدين، والمصحح لعقائد المسلمين، مولده سنة ستين ومائتين، وقيل: سنة سبعين. كانت المعتزلة قد رفعوا رءوسهم حتى أظهر الله الأشعري فحجرهم من أقماع السمسم. قال الخطيب البغدادي: أبو الحسن الأشعري، المتكلم، صاحب الكتب والتصانيف في الرد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة، والرافضة، والجهمية، والخوارج وسائر أصناف المبتدعة. توفي سنة ٣٢٤ هـ، وقيل:
٣٢٠ هـ، وقيل: ٣٣٠ هـ.
ينظر: «الأعلام» (٥/ ٦٩) ، و «تاريخ بغداد» (١/ ٣٤٦) ، و «وفيات الأعيان» (٢/ ٤٤٦) ، و «ابن قاضي شهبة» (١/ ١١٣) .
(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٣/ ١٥٩) .
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) هو: عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة أبو مسعود. الأنصاري. البدري.
قال ابن الأثير: هو المعروف ب «البدري» لأنه سكن أو نزل ماء بدر، وشهد العقبة ولم يشهد بدرا عند أكثر أهل السير. وقيل: شهد بدرا. ثم أورد له حديثا في الأحق بالإمامة.
توفي سنة (٤١) أو (٤٢) .
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (٦/ ٢٨٦) ، «الإصابة» (٧/ ٢٧٦) ، «تجريد أسماء الصحابة» (٢/ ٢٠٢) ، «بقي بن مخلد» (٣٧) ، «الاستيعاب» (٤/ ١٧٥٦) ، «الكنى والأسماء» (١/ ٥٤، ٩٠) ، «تقريب التهذيب» (٢/ ٤٧٢) ، «تهذيب التهذيب» (١٢/ ٢٣٤) ، «تهذيب الكمال» (٣/ ١٦٤٧) ، «أصحاب بدر» (٢٣٧) ، «التاريخ» لابن معين (٢/ ١٤٥) ، «تنقيح المقال» (٣/ ٣٥) . [.....]
(٤) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>