للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكونُ منهم توبَةٌ، فيتصوَّر قبولها فكأنه أخبر عن هؤلاء المعيَّنين أنهم يموتون كُفَّاراً، ثم أخبر الناسَ عَنْ حُكْم كلِّ مَنْ يموت كافراً، والمِلْء: ما شُحِنَ به الوعاء، وقوله: وَلَوِ افْتَدى بِهِ، قال الزَّجَّاج «١» : المعنى: لَنْ يقبلَ منْ أحدهم إنفاقُهُ وتقرُّباته في الدُّنْيَا، ولو أنفق مِلْءَ الأرْض ذَهَباً، ولو افتدى أيضًا به في الآخرة، لَنْ يقبَل منْه، قال: فأَعْلَمَ اللَّهُ أنه لا يُثِيبُهُم على أعمالهم من الخَيْر، ولا يقبل منهم الافتداء من العذاب.

قال ع «٢» : وهذا قولٌ حسَنٌ، وقال قوم: الواو زائدةٌ، وهذا قولٌ مردودٌ، ويحتملُ المعنى نفْيَ القَبُول على كلِّ وجه، ثم خص مِنْ تلك الوجوهِ أليقها وأحراها بالقَبُول، وباقي الآية وعيدٌ بَيِّن، عافانا اللَّه من عقابِهِ، وخَتَمَ لنا بما خَتَمَ به للصَّالحين من عباده/.

وقوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ... الآية: خطابٌ لجميعِ المؤمنين، فتحتملُ الآية أنْ يريد لَنْ تنالوا بِرَّ اللَّه بكُمْ، أي: رحمتَهُ ولُطْفَه، ويحتملُ أنْ يريد لَنْ تنالوا درجَةَ الكمالِ مِنْ فعْلِ البِرِّ حتى تكونُوا أبراراً إلاَّ بالإنفاقِ المُنْضَافِ إلى سائر أعمالكم.

قال ص: قوله: مِمَّا تُحِبُّونَ: «مِنْ» : للتبعيضِ تدلُّ عليه قراءةُ عبْد اللَّهِ:

«بَعْضِ مَا تُحِبُّونَ» «٣» اهـ.

قال الغَزَّالِيُّ: قال نافعٌ: كانَ ابْنُ عُمَرَ مريضاً، فاشتهى سَمَكَةً طَرِيَّةً، فحملتْ إلَيْه على رغيفٍ، فقام سائلٌ بالبابِ، فأمر بدفعها إلَيْه، ثم قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أيّما امرئ اشتهى شَهْوَةً، فَرَدَّ شَهْوَتَهُ، وآثَرَ على نَفْسِهِ غفر الله له» «٤» اهـ من «الإحياء» .


(١) ينظر: «معاني القرآن» للزجاج (١/ ٤٤١) .
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٤٧٠) .
(٣) ينظر: «الكشاف» (١/ ٣٨٥) ، و «البحر المحيط» (٢/ ٥٤٦) ، و «الدر المصون» (٢/ ١٦٦) .
(٤) ذكره الهندي في «الكنز» (٤٣١١٢) ، وعزاه للدار قطني في الأفراد، وأبي الشيخ في «الثواب» .
وقال الحافظ العراقي في «تخريج الإحياء» (٣/ ٢٥٧) : أخرجه ابن حبان في «الضعفاء» ، وأبو الشيخ في «الثواب» من حديث ابن عمر بسند ضعيف. اهـ.
والحديث أخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» (٣/ ١٣٨) ، من طريق عمرو بن خالد، عن حبيب بن أبي ثابت، عن نافع، عن ابن عمر به.
وقال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع، والمتهم به عمرو بن خالد، قال وكيع: كان في جوارنا يضع الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يروي موضوعات كذبه أحمد، ويحيى.
واعلم أن جهلة المتزهدين بنوا على مثل هذا الحديث الواهي، فتركوا كل ما تشتهيه النفس، فعذبوا أنفسهم لمجاهدتها في ترك كل ما يشتهى من المباحات، وذلك غلط لأن للنفس حقّا، ومتى ترك كل ما-

<<  <  ج: ص:  >  >>