للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ، يريد به القُرآن قاله الحَسَن وغيره «١» ، وقال جماعة: الإشارة ب «هذا» إلى قوله تعالى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ.

وقال الفَخْر «٢» : يعني بقوله: هذا بَيانٌ ما تقدَّم من أمره سبحانه، ونَهْيِهِ، ووعدِهِ، ووعيدِهِ، وذكرِهِ لأنواع البيِّنات والآيات. انتهى.

ثم نهى سبحانه المؤمنين عن الوَهَنِ، وهو الضَّعْف، وأنَّسهم بأنهم الأعلَوْنَ أصْحَابُ العاقبة، ومِنْ كَرَمِ الخُلُقِ ألاَّ يَهِنَ الإنسانُ في حربه، إذا كان مُحِقًّا، وإنما يحسن اللِّين في السّلم والرضى، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «المُؤْمِنُ هَيِّنٌ لَيِّنٌ» «٣» ، وقوله سبحانه: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إخبار بعُلُوِّ كلمة الإسلام، هذا قول الجمهور، وهو ظاهر اللفظ.

قال ص: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ: في موضِعِ نصبٍ على الحال.

وقوله سبحانه: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: المقصدُ هزُّ النفوسِ، وإقامتها، ويترتَّب من ذلك الطَّعْنُ على من نجم في ذلك اليَوْم نِفَاقُهُ أو اضطرب يقينه، أي: لا يتحصَّل الوعد إلاَّ بالإيمان، فالزموه، ثم قال تعالى تسليةً للمؤمنين: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ، والأُسْوَةُ مسلاة للبَشَر ومنه قول الخَنْسَاء: [الوافر]

وَلَوْلاَ كَثْرَةُ البَاكِينَ حَوْلِي ... على إخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي

وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِن ... أُعَزِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي «٤»

والقَرْح: القَتْل والجِرَاحْ قاله مجاهدٌ وغيره «٥» .

وقوله تعالى: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ، أخبر سبحانه على جهة التسلية أنَّ


(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٤٤٤) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (١/ ٤٢٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ١٣٩) ، وعزاه لابن جرير.
(٢) ينظر: «الفخر الرازي» (٩/ ١١) .
(٣) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٦/ ٢٧٢) رقم (٨١٢٧) من طريق يزيد بن عياض عن صفوان بن سليم عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال البيهقي: تفرد به يزيد بن عياض، وليس بالقوي، وروي من وجه آخر صحيح مرسلا.
ثم أخرجه عن مكحول برقم (٨١٢٨) مرسلا بلفظ «المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف إن قيد انقاد، وإن أنيخ استناخ على صخرة» .
(٤) ينظر: «ديوان الخنساء» (٦٢) .
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٤٤٨) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ١٤٠) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>