للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبرهما، وكان قَبْرُهما ممَّا يَلِي السَّيْلَ، وكانا في قَبْرٍ واحدٍ، وهما مِمَّن استشهد يَوْمَ أُحُدٍ، فحفر عنهما ليغيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا، فَوُجِدَا لم يُغَيَّرا، كأنما ماتا بالأمْسِ، وكان أحدُهُما قَدْ جُرِحَ فَوَضَعَ يَدَهُ على جُرْحِهِ، فَدُفِنَ، وهو كذلك، فَأُمِيطَتْ يده عَنْ جُرْحِهِ، ثم أرْسِلَتْ، فَرَجَعَتْ، كما كانَتْ، وكان بَيْنَ أُحُدٍ، وبَيْنَ يَوْمَ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وأربعون سنَةً، قال أبو عمر في «التمهيد» : حديثُ مالكٍ هذا يتَّصلُ من وجوهٍ صحاحٍ بمعنى واحدٍ متقاربٍ، وعبد اللَّه بن عمرو هذا هو والدُ جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ، وعَمْرُو بْنُ الجَمُوحِ هو ابنُ عَمِّه، ثم أسند أبو عمر، عن جابرِ بنِ عبْدِ اللَّهِ، قال: لما أراد معاويةُ أنْ يُجْرِيَ العَيْنَ بأُحُدٍ، نُودِيَ بالمدينةِ: مَنْ كان له/ قتيلٌ، فليأت قتيله، قال جابرٌ: فأتيناهم، فأخرجْنَاهم رطَاباً يَتَثَنَّوْنَ، فأصابَتِ المِسْحَاةُ أُصْبُعَ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فانفطرت دَماً، قال أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ: «لاَ يُنْكِرُ بَعْدَ هَذَا مُنْكَرٌ أَبداً» وفي رواية: «فاستخرجهم- يعني: معاويةَ-، بعد سِتٍّ وأربعين سنَةً لَيِّنَةً أجسادُهم، تتثنى أطرافهم» ، قال أبو عمر: الذي أصابَتِ المِسْحَاةُ أصبُعَهُ هو حمزةُ (رضي اللَّه عنه) .

ثم أسند عَنْ جابِرٍ قال: رأَيْتُ الشهداءَ يَخْرجُونَ على رِقَابِ الرجَالِ كأنهم رجَالٌ نُوَّمٌ حتى إذا أَصَابَتِ المِسْحَاةُ قَدَمَ حمزةَ (رضي اللَّه عنه) : «فانثعبت دَماً» انتهى.

وقوله سبحانه: وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ ... الآية: معناه: يُسَرُّونَ، ويَفْرَحُونَ، وذهَبَ قتادة وغيره إلى أنَّ استبشارهم هو أنهم يقولُونَ: إخواننا الذين تركْنَاهم خَلْفَنَا في الدنيا يُقَاتِلُونَ في سَبيل اللَّه مع نبيِّهم، فيستشهدُونَ، فينالُونَ مِنَ الكرامَةِ مِثْلَ ما نِلْنَا نَحْنُ، فيسرُّون لهم بذلك إذْ يحصُلُونَ لا خَوْفٌ عليهم ولا هُمْ يَحْزَنُونَ «١» ، وذهب فريقٌ من العلماءِ إلى أَنَّ الإشارة في قوله: بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا، إلى جميع المؤمنين الَّذِينَ لم يلحقوا بهم في فَضْل الشهادة وذَلك لِمَا عايَنُوا من ثوابِ اللَّهِ، فهم فرحون لأنفسهم بما


- ومعاذ بن جبل، كانوا يدخلون على صنم عمرو فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة، فيغدو عمرو فيجده منكبّا لوجهه في العذرة، فيأخذه ويغسله ويطيّبه، ويقول: لو أعلم من صنع هذا بك لأخزيّنه، ففعلوا ذلك مرارا، ثم جاء بسيفه فعلّقه عليه، وقال: إن كان فيك خير فامتنع، فلما أمسى أخذوا كلبا ميتا فربطوه في عنقه، وأخذوا السيف، فأصبح فوجده كذلك، فأبصر رشده وأسلم، وقال في ذلك أبياتا منها:
تالله لو كنت إلها لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر في قرن
ينظر: «أسد الغابة» ت (٣٨٩١) ، و «الاستيعاب» ت (١٩٢٥) ، و «الإصابة» (٤/ ٥٠٦) ، و «سير أعلام النبلاء» (١/ ٢٥٢١١) .
(١) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٥٤١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>