للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القُرآن «١» ، جعَلَ رَجْمَ الرسول دُونَ جَلْدٍ ناسخاً لجَلْدِ الثيِّب، وهذا الذي عليه الأَمَّة أنَّ السُّنَّة المتواترة تَنْسَخُ القُرآن إذ هما جميعاً وحْيٌ من اللَّه سبحانَهُ، ويوجِبَانِ جميعاً العِلْم والعَمَل.

ويتَّجه عندي في هذه النَّازلة بعَيْنها أنْ يُقَالَ: إن الناسِخَ لِحُكْمِ الجَلْد هو القرآن المتَّفَقُ على رَفْعِ لفظه، وبقاءِ حُكْمه في قوله تعالى: «الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فارجموهما أَلْبَتَّةَ» ، وهذا نصٌّ في الرجم، وقد قَرَّره عمر على المِنْبر بمَحْضَر الصَّحابة، والحديثُ بكماله في مُسْلم، والسُّنَّةُ هي المبيِّنة، ولفظُ «البخاريِّ» : «أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الرَّجْمُ لِلثَّيِّب، وَالجَلْدُ لِلْبِكْرِ» «٢» . انتهى.

وقوله تعالى: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ ... الآية: قال مجاهدٌ وغيره: الآيةُ الأولى في النساء عموماً، وهذه في الرِّجال، فعقوبةُ النِّساء الحَبْسُ، وعقوبةُ الرِّجَالِ الأذى «٣» ، وهذا قولٌ يقتضيه اللَّفْظ، ويستوفي نصُّ الكلام أصنافَ الزُّنَاة عامَّة ويؤيِّده مِنْ جهة اللفظ قولُه في الأولى: مِنْ نِسائِكُمْ، وقوله في الثانية: مِنْكُمْ، وأجمع العلماءُ على أنَّ هاتين الآيتين منُسْوخَتَانِ كما تقدّم.


- يرجم. وقصة ماعز في الزنا ورجمه قد عدها الحافظ السيوطي متواترة، فذكرها في كتابه «الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة» (ص ٥٩) رقم (٨٢) ، وعزاها إلى الشيخين عن جابر بن عبد الله وابن عباس ومسلم عن بريدة وجابر بن سمرة وأبي سعيد، وأبي داود عن اللجلاج ونعيم بن هزال وأبي هريرة، والنسائي عن رجل من الصحابة ومن مرسل ابن المسيب، وأحمد عن أبي بكر الصديق وأبي ذر، وابن أبي شيبة في «المصنف» عن نصر والد عثمان، ومن مرسل عطاء بن يسار والشعبي، وأبي مرة في سننه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف.
(١) ينظر: «البحر المحيط» للزركشي (٤/ ١٠٩) ، و «البرهان لإمام الحرمين» (٢/ ١٣٠٧) ، و «سلاسل الذهب» للزركشي (٣٠٢) ، و «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (٣/ ١٣٩) ، و «نهاية السول» للأسنوي (٢/ ٥٧٨) ، و «منهاج العقول» للبدخشي (٢/ ٢٥٢) ، و «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري (٨٨) ، و «التحصيل من المحصول» للأرموي (٢/ ٢٣) ، و «المنخول» للغزالي (٢٩٢) ، و «والمستصفى له» (١/ ١٢٤) ، و «الآيات البينات» لابن قاسم العبادي (٣/ ١٣٩) ، و «حاشية العطار على جمع الجوامع» (٢/ ١١١) ، و «المعتمد» لأبي الحسين (١/ ٣٩٢) ، و «إحكام الفصول في أحكام الأصول» للباجي (٤١٨) ، و «الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (٤/ ٥٠٥) ، و «التحرير» لابن الهمام (٣٨٨) ، و «شرح التلويح على التوضيح» لسعد الدين مسعود ابن عمر التفتازاني (٢/ ٣٦) ، و «ميزان الأصول» للسمرقندي (٢/ ١٠٠٦) ، و «التقرير والتحبير» لابن أمير الحاج (٣/ ٦٠) .
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (٢/ ٢٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>