للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي داود، والترمذيّ، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَ بالسَّلاَمِ» «١» . انتهى.

وأكثرُ أهل العلْمِ على أنَّ الابتداءَ بالسَّلاَمِ سُنَّةٌ مؤكَّدة، وَرَدُّه «٢» فريضةٌ لأنه حقٌّ من الحقوقِ قاله الحسن وغيره، قال «٣» النوويُّ: وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ يَسْتَقْبِلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَيُصَافِحُهُ، فَيُصَلِّيَانِ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلاَّ لَمْ يَتَفَرَّقَا حتى تُغْفَرَ ذُنُوبُهُمَا، مَا تقدّم منها وما تأخّر» «٤» ، وروّينا


- والثاني: أن الواو للاستئناف لا للعطف والتشريك، والتقدير: وعليكم ما تستحقونه من الذم.
وقال البيضاوي: في العطف شيء مقدر، والتقدير: وأقول عليكم ما تريدون بنا أو ما تستحقون، وليس هو عطفا على «عليكم» في كلامهم، وقال القرطبي: قيل: الواو للاستئناف، وقيل: زائدة، وأولى الأجوبة أنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا.
وحكى ابن دقيق العيد عن ابن رشد تفصيلا يجمع الروايتين: إثبات الواو، وحذفها فقال: من تحقق أنه قال: السام أو السلام بكسر السين فليرد عليه بحذف الواو، ومن لم يتحقق منه فليرد بإثبات الواو، فيجتمع من مجموع كلام العلماء في ذلك ستة أقوال. وقال النووي تبعا لعياض: من فسر السام بالموت فلا يبعد ثبوت الواو، ومن فسرها بالسامة فإسقاطها هو الوجه. قلت: بل الرواية بإثبات الواو ثابتة وهي ترجح التفسير بالموت، وهو أولى من تغليط الثقة.
(١) أخرجه أبو داود (٢/ ٧٧٢) ، كتاب «الأدب» ، باب في فضل من بدأ بالسلام، حديث (٥١٩٧) ، والترمذي (٥/ ٥٦) ، كتاب «الاستئذان» ، باب ما جاء في فضل الذي يبدأ بالسلام، حديث (٢٦٩٤) ، وأحمد (٥/ ٢٤٥، ٢٦١، ٢٦٤، ٢٦٩) من حديث أبي أمامة.
(٢) ابتداء السلام سنة عين من الواحد، ولو صبيا ولو على من ظن أنه لا يرد، ومن الجماعة سنة كفاية ورده فرض عين على الواحد عند إقباله وانصرافه، وكذا لو علمه واحد فقط من الجماعة ولو كان المسلم صبيا مميزا، وفرض كفاية إن كان على جماعة اثنين فأكثر مسلمين مكلفين وسكارى لهم نوع تمييز عالمين به ولو نساء، ولم يتحلل به من صلاة، وإن كرهت صيغته، ولو أسقط المسلم حقه لم يسقط لأن الحق لله تعالى، ولو ردوا كلهم ولو مرتبا أثيبوا ثواب الفرض، كالمصلين على جنازة، وشرطه إسماع واتصال كاتصال الإيجاب بالقبول.
واعلم أن ابتداء السلام أفضل من رده، وهذا من المسائل التي استثنيت من كون الفرض أفضل من التطوع، ومنها إبراء المعسر أفضل من انتظاره لكن رد ذلك العلامة ابن حجر في: «التحفة» بأن سبب الفضل في هذين: اشتمال المندوب على مصلحة الواجب، وزيادة إذ بالإبراء زال الانتظار، وبالابتداء حصل أمن أكثر مما في الجواب، أي: ففضله عليه من حيث اشتماله على مصلحة الواجب لا من ذاته، ولا من حيث كونه مندوبا، وقد وقفت للعلامة ابن علان في ذلك على هذين البيتين:
الفرض أفضل من نفل وإن كثرا ... فيما عدا صور أخذها حوت دررا
بدء السلام أذان والطهارة من ... قبيل وقت مع الإبرار لمن عسرا
ينظر: «سبعة كتب مفيدة» ص (١٤١، ١٤٤) .
(٣) ذكره ابن عطية (٢/ ٨٧) ، وابن كثير (١/ ٥٣٢) ، والسيوطي (٢/ ٣٣٨) ، وعزاه للبخاري في «الأدب المفرد» ، وابن المنذر عن ابن عباس.
(٤) أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» رقم (١٩٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>