للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظالميها بترك الهجرة، وتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ: معناه: تقبِضُ أرواحَهُمْ، قال الزَّجَّاج «١» ، وحُذِفَتِ النونُ مِنْ ظَالِمِينَ تخفيفاً كقوله: بالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: ٩٥] ، وقولُ الملائكة:

فِيمَ كُنْتُمْ: تقريرٌ وتوبيخٌ، وقولُ هؤلاء: كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ: اعتذار غيرُ صحيحٍ إذ كانوا يستطيعُونَ الحِيَلَ، ويَهْتَدُونَ السُّبُلَ، ثم وقَفَتْهُم الملائكةُ على ذَنْبهم بقولهم: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً، والأرْضُ الأولى: هي أرْضُ مكَّة خاصَّة، وأرْضُ اللَّهِ هي الأرضُ بالإطلاق، والمراد: فتهاجِرُوا فيها إلى مواضعِ الأَمْنِ، وهذه المقاوَلَةُ إنما هِيَ بعد توفي الملائكَةِ لأرواحِ هؤلاءِ، وهي دالَّة على أنهم ماتوا مُسْلِمِينَ وإلاَّ فلو ماتوا كافِرِينَ، لم يُقَلْ لهم شيءٌ مِنْ هذا، ثم استثنى سبحانه مَنْ كان استضعافه حقيقةً مِنْ زَمْنَى الرجالِ، وضَعَفَةِ النساءِ، والولدانِ، قال ابنُ عَبَّاس: «كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ» «٢» ، والحِيلَةُ: لفظٌ عامٌّ لأنواع أسبَاب التخلُّص، والسَّبِيلُ: سبيلُ المدينةِ فيما قاله مجاهد وغيره «٣» ، والصوابُ: أنه عامٌّ في جميع السُّبُل، ثم رَجَّى اللَّه تعالى هؤلاءِ بالعَفْو عنهم، والمُرَاغِمُ: المُتَحَوَّلُ والمَذْهَب قاله ابن عبَّاس وغيره «٤» ، وقال مجاهدٌ: المُرَاغَمُ المتزحْزَحُ عمَّا يُكْرَه «٥» ، وقال ابن زيْدٍ: المُرَاغَمُ: المُهَاجَرُ «٦» ، وقال السُّدِّيُّ: المُرَاغَمُ: المبتغى للمعيشة «٧» .

قال ع «٨» : وهذا كله تَفْسيرٌ بالمعنى، وأما الخاصُّ بِاللفظة، فإن المُرَاغَمَ هو موضِعُ المراغَمَةِ، فلو هاجر أَحَدٌ من هؤلاءِ المَحْبُوسِين بمكَّةَ، لأرْغَمَ أنُوفَ قريشٍ بحصوله في مَنَعَةٍ منهم، فتلكَ المَنَعَةُ هي مَوْضِعُ المراغَمَةِ، قال ابنُ عَبَّاس وغيره: السّعة هنا هي السّعة في


(١) ينظر: «معاني القرآن» (٢/ ٩٤) .
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٢٣٥) برقم (١٠٢٦٤) ، وذكره ابن عطية (٢/ ١٠٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٣٦٧) ، وعزاه للطبراني.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٢٣٩) برقم (١٠٢٨٤) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (١/ ٤٧٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٣٦٨) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد.
(٤) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢/ ١٠٠) .
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢/ ٢٤٢) برقم (١٠٣٠٧) ، وذكره ابن عطية (٢/ ١٠١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٣٦٨) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٢٤٣) برقم (١٠٣٠٩) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢/ ١٠١) .
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٢٤٢) برقم (١٠٣٠٨) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢/ ١٠١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٣٦٨) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٨) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ١٠١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>