ولكنهم مختلفون في شيء آخر وراء هذا، وهو: هل يجب التتابع في صوم تلك الأيام الثلاثة بحيث لا يتخللها فطر أو لا يجب ذلك فيه خلاف. ذهبت الشافعية في الراجح من مذهبهم، والمالكية، والظاهرية، وأحمد في رواية عنه: إلى عدم اشتراط التتابع محتجين بأنه صوم نزل به القرآن غير مقيد بالتتابع، فجاز متفرقا ومتتابعا لأنّه لم يوجد من السنة دليل ثابت يصح أن يقيد به هذا الإطلاق، فالتقييد بالتتابع تقييد بلا دليل. وذهبت الحنفية، وأحمد في مشهور مذهبه، والثّوريّ وأبو عبيد: إلى اشتراط التتابع محتجين بقراءة أبيّ، وابن مسعود «فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام متتابعات» قائلين: إن ثبت القرآن بهذا كان حجة ووجب حمل المطلق على المقيد لأن القرآن يفسّر بعضه بعضا، وإن لم تثبت القرآنية بهذا، فلا يخرج ذلك عن أن يكون رواية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمعها ابن مسعود، وأبي معه، فلها حكم الحديث المرفوع، وهو حجة، فيقيد به مطلق الكتاب، وأيّا ما كان، فالتتابع ثابت بهذا، فلا يصح التفريق في الصّيام ونحن إذا نظرنا إلى وجهة كل نجد أن القول بالتتابع هو الراجح، لأن القائلين بعدم التتابع قد حملوا المطلق في تحرير الرقبة على المقيد فيها في كفارة القتل، حتى أوجبوا اعتبار وصف الإيمان في الرقبة مع أن السبب فيهما مختلف، وليس لهم مستند في ذلك إلا أن كلّا من الكفارتين تجمعهما علة واحدة هي: حرمة السبب، وهذه العلة بذاتها موجودة في الصوم في كفارة اليمين، وقراءة أبيّ، وابن مسعود: «فصيام ثلاثة أيّام متتابعات» . فهذه القراءة، وإن لم تثبت قرآنية هذا اللفظ لأن القرآن لا يثبت بالآحاد إلّا أنها رواية عن صحابي سمعها من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فلا ينبغي أن يتقوّل عليه ما لم يقله لأنه يعرف حقّ المعرفة معنى قوله عليه الصلاة والسلام: «من كذب عليّ متعمّدا، فليتبوّأ مقعده من النّار» فتكون مقيدة للآية. فقول من قال: إن الآية مطلقة، ولم يرد ما يقيدها لا يقبل بعد البيان السابق، وخصوصا إذا أمكن حمل المطلق هاهنا على المقيد في كفارة القتل، أو الظهار، ولا مانع منه. ينظر: «الكفارات» لشيخنا حسن علي حسانين الكاشف، «الخطيب على المنهاج» (٤/ ٣٢٨) ، «الشرح الكبير» (٢/ ١١٨) ، «المغني» (١١/ ٢٧٣) ، «فتح القدير» (٤/ ١٨) . (٢) ينظر: «تفسير الطبري» (٥/ ٣٠) .