للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكَّر سبحانه بأمر الحَشْر والقيامةِ، مبالغةً في التحذير ولما بان في هذه الآيات تعظيمُ الحَرَمِ والحُرْمة بالإحرام من أجْل الكعبة، وأنَّها بيْتُ اللَّه تعالى، وعنصر هذه الفَضَائلَ ذَكَرَ سبحانه في قوله: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ تنبيهاً سَنَّهُ في الناس، وهداهم إلَيْهِ، وحَمَلَ عليه الجاهليَّة الجهلاَءَ من التزامهم أنَّ الكعبة قِوَامٌ، والهَدْي قِوَامٌ، والقلائد قِوَام، أي: أمر يقوم للناس بالتَّأمين، ووَضْعِ الحربِ أوزارها، وأعلَمَ تعالى أنَّ التزامَ النَّاس لذلك هو ممّا شرعه وارتضاه، وجَعَلَ، في هذه الآيةِ: بمعنى «صَيَّر» ، والكَعْبَة بيْتُ مكة، وسمي كعبةً لتربيعه، قال أهْل اللُّغَة: كلُّ بَيْتٍ مربَّع، فهو مكعَّب، وكَعْبة، وذهب بعض المتأوِّلين إلى أنَّ معنى قوله تعالى: قِياماً لِلنَّاسِ، أي: موضع وُجُوب قيامٍ بالمناسك والتعبُّدات، وضَبْطِ النفوسِ في الشهر الحرام، ومع الهَدْيِ والقلائدِ، قال مَكِّيٌّ:

معنى قِياماً لِلنَّاسِ، أي: جعلها بمنزلة الرئيس الَّذي يقُومُ به أمر أتباعه، فهي تحجزهم عَنْ ظُلْم بعضهم بعضاً، وكذلك الهَدْيُ والقلائد جُعِلَ ذلك أيضاً قياماً للناس فكان الرجُلُ إذا دَخَل الحَرَمِ أَمِنَ مِنْ عدوه، وإذا ساق الهَدْي كذلك، لم يعرض لَهُ، وكان الرجُلُ إذا أراد الحجَّ، تقلَّد بقلادة مِنْ شعر، وإذا رجع تقلَّد بقلادة من لِحَاءِ شَجَر الحَرَمِ، فلا يعرض له، ولا يؤذى حتى يَصِلَ إلى أَهله، قال ابنُ زيد: كان الناسُ كلُّهم فيهم ملوكٌ تدفع بعضُهُم عن بعض، ولم يكُنْ في العرب ملوكٌ تدفع عن بعضهم ظُلْمَ بعضٍ، فجعل اللَّه لهم البَيْتَ الحرامَ قياماً يدفَعُ بعضَهُمْ عن بعض. انتهى من «الهداية» .

والشهرُ هنا: اسمُ جنسٍ، والمراد الأشهر الثلاثةُ بإجماع من العرب، وشَهْرُ مُضَرَ، وهو رَجَبٌ، وأما الهَدْيُ، فكان أماناً لمن يسوقه لأنه يعلم أنه في عبادةٍ لم يأت لحَرْبٍ، وأما القلائد، فكذلك كان الرجُلُ إذا خَرَج يريدُ الحَجِّ/، تقلَّد مِنْ لحاء السَّمُرِ أو غيره


- ٤٢٩) ، كتاب «المناسك» (الحج) ، باب لحم الصيد للمحرم، حديث (١٨٥٢) ، والترمذي (٣/ ٢٠٤، ٢٠٥) ، كتاب «الحج» ، باب ما جاء في أكل الصيد للمحرم، حديث (٨٤٧) ، والنسائي (٥/ ١٨٢) ، كتاب «الحج» ، باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد، وابن ماجة (٢/ ١٠٣٣) ، كتاب «المناسك» ، باب الرخصة في ذلك إذا لم يصد له، حديث (٣٠٩٣) ، ومالك (١/ ٣٥٠) ، كتاب «الحج» ، باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد، حديث (٧٦) ، وأحمد (٥/ ٣٠٢) . والدارمي (٢/ ٣٨) كتاب «المناسك» ، باب في أكل لحم الصيد للمحرم إذا لم يصد هو، والشافعي (١/ ٣٢١) كتاب «الحج» ، باب فيما يباح للمحرم وما يحرم (٨٣٧) ، والحميدي (١/ ٢٠٤) رقم (٤٢٤) وعبد الرزاق (٨٣٣٧، ٨٣٣٨) ، وابن خزيمة (٤/ ١٧٦) رقم (٢٦٣٥) وابن الجارود (٤٣٥) والدارقطني (٢/ ٢٩١) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٢/ ١٧٣- ١٧٤) والبيهقي (٥/ ١٨٩) والبغوي في «شرح السنة» (٤/ ١٥٧- بتحقيقنا) من طرق عن أبي قتادة به.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>