للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندي لذكْره في الصَّحابة.

وأما معنى الآية مِنْ أولها إلى آخرها، فهو أن اللَّه سبحانه أخبر المؤمنين أنَّ حكمه في الشهادةِ عَلَى المُوصِي، إذا حضره الموتُ: أنْ تكونَ شهادة عَدْلَيْنِ، فإن كان في سَفَرٍ، وهو الضَّرْب في الأرض، ولم يكن معه من المؤمنين أحدٌ، فليُشْهِدْ شاهدَيْنِ ممن حَضَرَهُ مِنْ أهْل الكُفْر، فإذا قدما، وأَدَّيا الشهادةَ على وصيَّته، حَلَفَا بعد الصَّلاة أنهما ما كَذَبَا، ولا بَدَّلاَ، وأنَّ ما شهدْنَا به حقٌّ ما كتمنا فيه/ شهادةَ اللَّه، وحُكِمَ بشهادتهما، فإن عُثِرَ بعد ذلك على أنهما كَذَبَا، أو خَانَا، أو نَحْوِ هذا ممَّا هو إثْم، حَلَفَ رُجلانِ مِنْ أولياء المُوصِي في السفر، وغُرِّمَ الشاهدانِ ما ظَهَرَ علَيْهما، هذا معنى الآيةِ على مذهب أبي موسَى الأشعريِّ، وابن عبَّاس، وسعيدِ بْنِ المسيَّب، ويحيى بن يَعْمَرَ، وابنِ جُبَيْر، وأبي مِجْلَزٍ، وإبراهيم، وشُرَيْحٍ، وعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وابن سِيرِينَ، ومجاهدٍ وغَيْرِهم «١» ، قالوا: ومعنى قوله:

مِنْكُمْ، أي: مِنَ المؤمنين، ومعنى: مِنْ غَيْرِكُمْ، أي: من الكافرين.

قال بعضهم: وذلك أن الآية نزلَتْ، ولا مؤمن إلا بالمدينة، وكانوا يسافرون في التِّجارة مع أنواع الكَفَرة، واختلفتْ هذه الجماعةُ المذْكُورة، فمذهبُ أبي مُوسَى الأشعريِّ وغيره أن الآية مُحْكَمَةٌ، ومذهب جماعة منهم أنها منسوخةٌ بقوله:

وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق: ٢] وبما عليه إجماعُ جمهور النَّاس أن شهادة الكُفَّار لا تجوزُ.

قال ع «٢» : ولنرجع الآنَ إلى الإعراب، ولنقصِدِ القَوْل المفيد لأن الناس خلطوا في تفسيره هذه الآية تخليطاً شديداً، وذِكْرُ ذلك والرَّدُّ عليه يطولُ، وفي تَبْيِينِ الحَقِّ الذي تتلَقَّاه الأذهانُ بالقَبُول مَقْنَعٌ، واللَّه المستعان.

فقوله تعالى: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ، هي الشهادةُ «٣» التي تُحْفَظُ لتؤدى، ورفعها بالابتداء،


(١) ذكره ابن عطية (٢/ ٢٥١) .
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٢٥٢) .
(٣) الشهادات: جمع شهادة: وتجمع باعتبار أنواعها. وإن كانت في الأصل مصدرا. تعريف الشهادة:
للشهادة في اللغة معان: منها: الإخبار بالشيء خبرا قاطعا. تقول: شهد فلان على كذا، أي أخبر به خبرا قاطعا. ومنها: الحضور. تقول: شهد المجلس أي حضره قال تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: ١٨٥] وقال عليه الصلاة والسلام: «الغنيمة لمن شهد الرفعة» أي حضرها. ومنها:
الاطلاع على الشيء، ومعاينته، تقول: شهدت كذا. أي اطلعت عليه وعاينته. ومنها: إدراك الشيء.
تقول: شهدت الجمعة. أي أدركتها، ومنها: الحلف: تقول أشهد بالله لقد كان كذا. أي: أحلف. -

<<  <  ج: ص:  >  >>