للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وأيَّد اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- رسوله صلوات الله وسلامه عليه بكتابه المبين، فشرَع به الشراثع، وأحل به الحلال، وحرّم به الحرام، وأنذر به العباد؛ فقصَّ عليهم أنباء من قبلهم من الأمم، ورغبهم فيه بما أعدّ لمطيعهم من الثواب والنعيم المقيم، وأنذرهم وحذّرهم بما أعدَّ لمخالفيه من النقمة والعذاب الأليم.

وكانت من ثَمَّ السُّنَّةُ النبويَّةُ متمّمة لهذه الغاية، ولهذا المطلب، فبُيِّنَ بها ما أجمل، وفُسِّرَ بها ما خَفِيَ وأُبهِمَ، فكانت السُّنّةُ للقرآن كالأغصان والأوراق للأشجار، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

وكان من نعم الله أيضًا على هذه الأمة أن حفظ لهم كتابه العظيم من تلاعب المتلاعبين، ومن عبث العابثين، فحفظه من الزيادة والنقصان والتحريف (١)، فقال عز من قائل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} (٢). ومن تمام النعمة على هذه الأمة أيضًا، أن حفِظَ ربنا سُنَّةَ نبيِّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وذلك بأن قيد لنبيه أُناسًا يحفظون عنه أقواله، وَيرْوُونَ عنه أفعالَهُ، ويُخبِرُونَ عن أحوالِهِ وصِفَاتِهِ؛ وعلى رأسِ هؤلاء؛ أصحابه - رضي الله عنهم - وأرضاهم، فقد كانوا خيرَ الناسِ قلوبًا، وأصدقهم حالًا ومقالًا، باعوا أنفسَهُم لله تعالى، وجاهدوا في الله حقَّ الجهادِ؛ ومن جهادِهم أن حفظوا لنا سنّة نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -، فنقلوها للأجيال من بعدهم، وحدّث العالِم منهم بها من جَهِلَهَا.

لكن لم يتمّ للسنةِ ما تمَّ للقرآنِ الكريم من تمامِ الحفْظ والصَّوْنِ، فقد امتدَّت أيدي العابثين لما حُفِظَ من السنةِ النبوَيةِ، فدَسَّ الدَّاسُّون فيها، وكذَبَ الكذابون، وافترى المفترون ...

وما ذلك إلا لحكمة يعلمها فاطر السموات والأرض، وخالق الخلق أجمعين.

ومع ذلك فإن الذي حَفِظَ كتابَهُ العظيم من التَّلاعُبِ والعَبَثِ حَفِظَ أيضًا سُنَّةَ نبيهِ - ولكن بدرجةِ أقل من درجة حِفْظِ الكتاب، وبنوعٍ من الحِفْظِ غير النوع الذي حَفِظَ به القرآن.


(١) ومن قال غير هذا واعتقد خلاف ذلك؛ فقد خرج من دائرة الإسلام، عياذًا بالله تعالى.
(٢) سورة الحجر: ٩.