للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

من ذلك أن صاحبَ هذه السنة صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر -فيما تواتر عنه- أنه سيكون من بعده من يكذِبُ عليه، ومن يحدّثُ عنه بالكَذَبِ ...

فكان أصحابهُ من بعده يتحرون في الرواية عنه، ويحرصون على التثبتِ، وعلى أخذ الحديث من الثقات العدول سماعًا وكتابةً ...

وكذا سار التابعون من بعدهم، إلى أن ظهر الكذب، وانتشر هذا الدين في أرجاء الأرض، فاندسَّ أعداء الله وأعداء دينه لينالوا من حديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعدما علموا أنهم لن يستطيعوا النيل من الكتاب الكريم.

فظهر الكذب والوضع في الحديث، فما كان من العلماء الأتقياء النجباء إلا أن انبروا لهؤلاء وتصدّوا لهم؛ بأن جعلوا للرواية عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضوابط وقواعد وقيودًا، كبّلوا بها أيدي هؤلاء المعتدين، فنخّلوا الحديث تنخيلًا؛ فميزوا صحيحه من سقيمه، ودوَّنُوهُ في كتبهم، ومَيَّزُوا الرواةَ صادِقهم من كاذبهم، بل حتى من لم يعرف بالضبط والسماع -وإن كان في نفسه صادقًا- لم يقبلوا الرواية عنه، وغير ذلك من الأمور التي محلّ بسطها في دواوين كتب مصطلح الحديث.

فتوالى العلماء منذ عصر التابعين -بل منذ عصر الصحابة- على تمحيص السنة، والتدقيق في رواتها، وتمييزهم، فكان يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وشعبة بن الحجاج، وابن حبان، والعقيلي، وابن الجوزي، والذهبي، وابن حجر -وغيرهم كثير مما لا يحصى عددهم- حَمُوا حِيَاضَ السُّنَّةِ وذَبّوا عنها.

وكان في عصرنا الحاضر الإمام المحدّث شامة الشام، وريحانة الزمان، وقِبْلَةُ أهل الحديث في هذا العصر؛ العلامة الشيخ محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الألباني -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وأسكنه فسيح الجنة - الذي إذا ذُكر اسمه طَرِبَت له قلوبُ أهلِ الحديثِ ومُحِبِّي سُنَّةِ المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، جدَّدَ اللهُ تعالى به معالم الدين بعدما اندرست، وتذاكرنا به عصر أحمد وابن معين وعبد الرزاق وابن المبارك ... كيف كانوا يرحلون في طلب الحديث، وكيف كان يُرحَلُ إليهم، فإني لا أعلم رجلًا رَحَلَ الناسُ إليه في هذا العصر مثل ما رحل الناس إلى محدث الدنيا.