٥ - أن الواجب على المتعلم أو العالم أو الإمام أن يرشد الضال والمنحرف، ويبين له ما خفي عليه بالدليل، فهذا عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - لما رأى أنه الخوارج تمسّكوا بشبه ظنوا أنها دين وحق، قارعهم بالحجة من كتاب الله وسنة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم -، وأرشدهم إلى الصواب، وعلَّمهم كيف يستدلّون، لأن المخالف قد يظن أن القول الذي يعتقده هو محض الصواب؛ وخلافه باطل وداحض، فيحارب عليه، ويوالي ويعادي على ذلك، وهذا لأنه لم يفهم الكتاب والسنة على ما فهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، لهذا قدَّمَ عبدُ الله بن عباس بالمقدمة الآنفة الذكر واحتجَّ عليهم بأنه ليس من أحد من الصحابة بينهم، فكان هذا سبب انحرافهم وضلالهم وبعدهم عن الحق، وفي هذا تأصيلٌ منهجي عزيز، فعُضَّ عليه أيها السُّني وتمسَّك بعراه.
٦ - فيه أن المخالفين الأولين كانوا على جانب كبير من الأنصاف والأوبة للحق إذا بأن لهم، فقد رأيتَ كيف رجع مع ابن عباس ألفان، بعكس ما نراه من مخالفي زماننا من ركوب الرأس والتعنت، والصد عن الحق، والنكوص عنه، وعدم اتباع الدليل إذا بان ولاح، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا به.
هذا ما فتح الله به من ذكر بعض فوائد هذه المناظرة العظيمة، ولا شك أن فيها الدُّرَّ الثمين، والله نسأل أن يعلمنا ويفقهنا ويسدّدنا.
وانظر الذي بعده فإنه متعلق به.
* * *
٣٠٩ - قال الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: حدثنا إسحاق بن عيسى الطبَّاع، حدثني يحيى بن سُليم، عن عبد الله بن عثمان بن خُثيم، عن عبيد الله بن عياض بن عمروٍ القاري، قال: جاء عبدُ الله بن شدَّاد، فدخل على عائشةَ، ونحن عندها جلوس، مَرْجعَهُ من العراق لَيَالِيَ قُتِلَ عليٌّ، فقالت له:"يا عبد الله بن شدَّاد؛ هل أنتَ صَادِقي عما أسالُكَ عنه؟ تحدّثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم عليّ"؟