فلا بُدَّ -والحالة هذه- من إثبات النص النبوي -أوَّلاً-، أي: لا يُستَدَلُّ على أمور الدين إلا بما صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتَيَقَّنَ المسلم -أو غلب على ظنّه- أن هذا القول قاله المصطفى الكريم، وأنَّه لم يُكذبْ عليه، أو يُنْسَبْ إليه- صلوات الله وسلامه عليه-.
وأما الأمر الثاني -وهو فَهْمُ النص-، فهنا - بيت القصيد -كما يقال-.
إنَّ الناظرَ والمتَأمِّلَ في اختلاف المسلمين -فيما بينهم- ليعجب عندما يدرك، أو يعلم، أو يسمع أكثرهم وهو يقول: نحن على الكتاب والسُّنة! لكن يزول عجبه وينقضي عندما يُدْرِكُ أن هذه الدعوى فارغة -عند كثير منهم- من حقيقتها.
وذلك لأمور -أهمها-:
- إما لأن ذلك مجرد دعوى، لا تخرج عن كونها ادِّعاءَ باللسان، لم تقرُّه الجنان والأركان.
- وإما لِلْخَلَلِ الذي يقع فيه كثير من المسلمين - فيما أشرنا إليه -أولاً- من مسألة إثبات النص-، فينسبُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله، فيبني على هذا الحديث المكذوب -أو الضعيف الذي لا يصح- عقيدته، أو عبادته ...
- وإما بسبب معارضتهم لهذا النص بأقوال الرجال، فيقَدِّمون قولهم على قوله - صلى الله عليه وسلم -!!
- وإما بسبب عدم فهمهم للنص الفهم الصحيح. وهذا ما أشرتُ إليه -آنفَا-.
وهنا يقع أكثر الخلاف، والنزاع، وهنا تفترق الطرق، وتتشعّبُ الاتجاهات، ولكل وجْهَةٌ هو مولِّيها؛ فهذا يفهم نصوص القرآن والسنة بفهم أهل الكلام، وهذا بفهم طائفته وجماعته، لا يخرج عنها قيد أُنملة، وهذا بفهم أهل اللغات، وهذا بفهم الرجال ...
وإن أهم ما يميز الطائفة المنصورة، وأهل الحق، وأهل الحديث عن غيرهم، هو: أنهم إنما يفهمون الكتاب والسُّنة كما فهمها السَّلَفُ الأول من أصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأَهْلِ بيتِهِ الكرام.
ولا مجال -هنا- لكي أنقل ما استدل به أهلُ الحديثِ على هذا الأمر المهم، والأصل العظيم، فإن هذا يحتاج إلى موضع آخر، وحسبي أن كثيرًا من