العلماء قد بيَّنَ هذْه المسألة، وذكَرَ أَدلّتها، ومن هؤلاء العلماء في هذا العصر:
الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني- رحمة الله عليه-، لا سيَّما في مقدِّمة كتابه الجليل: "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد (دَنْدَنَ) حول هذه المسألة طيلة حياته -رَحِمَهُ اللهُ- في مجالسه، وكتاباته.
وإني أهيبُ بإخواني المسلمين -جميعًا-، وأخصُّ علماءنا الكرام، والدُّعاة الفضلاء، والمبلِّغين لهذا الدين: أن يولوا هذا الأصل اهتمامهم، فقد مرَّت سنون طويلة ونحن نستدل ونُرَبي النَّشأ على قول فلان وفلان، ونذكر الآية والحديث وبعده: قالت المالكية، والشافعية، وقال فلان ... (١)
وأنا لا أنْتَقِصُ أو أُقَلِّلُ من شأن هذه المذاهب وعلمائها الأبرار الكرام، ولا أُنْكِرُ علمهم، ولكن حُقَّ لَنَا أن نَذكرَ ونقدمَ قول أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود ... وغيرهم من سادات الصحابة وفقهائهم، على من هو دُونَهُم في الفضل والعلم.
إن الصحابةَ -يا إخوتاه- هم الذين عايَشُوا التنزيل، وفهموا مَعَانِيَ القرآن، وخُوطِبُوا به، وهم الذين سَمِعُوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - مشافهة دون واسطة، فوعوا ما أراد، وهم الذين طبَّقوا هذا الفهم بمرأى منه - صلى الله عليه وسلم -، فهم أهل القوس وهم براتها!
أفيُعْرَضُ عن أقوالهم، وفقههم، وعلمِهم، ويؤخذُ بقول من بعدهم مِمَّنْ لم يتحقّق فيه ما ذكرنا؟!
وانظُرْ معي يا أُخَيَّ الحبيب إلى قول ربنا الكريم: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)} [التوبة: ١٠٠].
فانظر كيف مَدَحَ وأثنى على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وعلى: أتباعِهم (الذين اتبعوهم بإحسان)، فسلكوا سبيلهم، واقتدوا بهديهم؛ فتحقَّق لهم ما تحقق لمتبوعيهم من الرضا والفوز العظيم، جزاءً بالحسنى.
ومفهوم المخالفة من الآية: أنه لا يجوز مخالفة هؤلاء السابقين من
(١) لا يفهمَنَّ أحدّ أني أدعو إلى إهدار جهود هؤلاء الأعلام، ومذاهبهم، إنما الذي أعنيه: أنه ينبغي لنا أن نقدم قول أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفهمهم، على قول أصحاب المذاهب وفهمهم.