لابن عباس على عائشة، وهي تموت، وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن، فقال:"هذا ابنُ عباس يستاذِنُ عليكِ؛ وهو من خير بنيكِ.
فقالت: دعني من ابنِ عباس، ومن تزكيته.
فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن: إنَّه قارئ لكتاب الله، فقيهٌ في دينِ الله، فَأْذني له ليسلِّمَ عليكِ، وليودِّعكِ.
قالت: فَأْذَنْ له إن شئتَ.
قال: فأذِنَ له، فدخل ابنُ عباس، ثم سلَّم وجلس، فقال: أبشري يا أم المؤمنين؛ فواللهِ ما بينكِ وبين أن يذهبَ عنكِ كل أذًى ونَصَب -أو قال: وَصَب- وتلقي الأحِبَّةَ -محمدًا وحزبَه -أو قال: وأصحابه -إلا أن يُفَارِقَ روحُكِ جسدَكِ.
قالت: وأيضًا!
فقال ابنُ عباس: كنتِ أحبَّ أزواج رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إليه، ولم يكن لِيُحِبَّ إلا طيِّبَا، وأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- براءتكِ من فوقِ سبع سمواتِ، فليس في الأرضِ مسجد الَّا هو يتلى فيه آناءَ الليلِ وآناءَ النهَارِ، وسقَطَتْ قلادتكِ ليلةَ الأبواءِ فاحتُبسَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المنزلِ؛ والناسُ معه في ابتغائهَا، -أو قال: في طلبها- حتى أصبحَ القومُ على غير ماءِ؛ فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}[النساء: ٤٣]، فكان في ذلك رخصة للناس عامَّة في سببكِ؛ فوالله إنكِ لمباركة.
فقالت: دعني يا ابنَ عباس من هذا، فواللهِ لوددتُ لو أني كنتُ نسيًا منسيًّا".
صحيح. أخرجه أحمد في "المسند"(١/ ٢٧٦) أو رقم: (٢٤٩٦ - شاكر) و (١/ ٣٤٩) أو رقم (٣٢٦٢)، وفي "فضائل الصحابة"(١٦٣٩)، وابن سعد في "الطبقات الكبير"(٨/ ٧٥)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١٠/ رقم: