ومنذ أنِ اخْتَارَ الله تعالى أُمَّة العَرَب لتكُون حَامِلَةَ رِسَالَته الخاتمة إلى البَشَرِيَّة، والفِكْرُ العَرَبيّ فكرٌ مُتَّصِلُ العَطَاء، ومَوْكِبه سباق بين مَوَاكِب الأمم. ولئن كان من سنة حَيَاة الأمم أنْ تَدُورَ بين فَتَرَات صُعُودٍ وهبوط، وانتكاسة يعقبها تألُّق جَدِيد، فإِنَّنا نَدْعُو الله تعالى أنْ يَجْعَل سَبِيلنا اليوم سهلًا إلى تألُّقٍ ثَابِت الأسس، قَوِيّ الدَّعَائِم، شَامِخَ البُنْيان، يأخُذُ من الحَدِيث أفضل ما فيه ليَضُمّه إلى عَطَاء الأجيال السَّالِفَة من رُوَّاد الفكر والأدب الإسلامي والعُلُوم الإنسانية.
ولعلَّ ممَّا يُمَيِّز تُرَاثَ أُمَّتِنا هذا التَّواصل الذي لا يَسْتَهين بنتاج السَّلَفِ لمُجَرَّد أَنَّ مِنْ جَاءَ بَعْدَهُم اسْتَطَاع أنْ يَصِل إلى أبعد ممَّا وَصَلُوا إليه. بل نحن ننظُرُ بكُلِّ احْتِرام وتقدير إلى منْ سَبَقُونَا، ونُدْرِكُ أَنَّهُم بَذَلُوا غَايَةَ الجهد ليصلوا إلى أفْضَل ما تُتيحه لهم إمكاناتهم وقُدْرَاتُهم. ونَدْعُو لهم أن يجزيهم الله على ما قَدَّمُوا، ونُقُولُ كَمَا عَلَّمَنَا دِينُنا: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾.
ومُؤَسَّسَةُ الفُرْقَانِ للتُّرَاثِ الإِسْلامي إنَّما قَامَت لتُحَافِظ على ما وَصَلَ إلينا من تُرَاثِ من سَبَقُونَا في دُرُوبِ المَعْرِفَة، وأَنْ تَنْفُضَ الغُبَارَ المُتَرَاكم عن أفضل كُنُوزه. فهي إِذْ تَهْتَمُّ بِفَهْرَسَةِ مَجْمُوعات وَخَزَائِنِ المَخْطُوطات في البلاد المُخْتَلِفَة تَضَعُ بين أيدي الباحثين كتبا وآثارًا مَخْطُوطَةً لم يكونوا يَعْرِفُون بوُجُودِها أَصْلًا. وهي إِذْ تَهْتَمُ بتَحْقِيق نَفَائِس من هذا التراث ونَشْرِها، فإنَّها تُبْرِزُ حَقِيقَةَ التَّوَاصُل الفِكْري والحَضَاري، وتُؤكد الدَّوْرَ العَظِيم الذي سَجَّلَه التَّاريخُ للحَضَارَة الإسلامية على مَدَى قُرُونٍ مُتَوَاصِلَة، رَغم جُحُودِ المُنْكِرين وعِنادِ الجَاهِلين.
ومُؤَسَّسَةُ الفُرْقَانِ تَنْشُدُ دَائِمَا أنْ تكونَ أَعْمَالُهَا عَالِيَةَ الجَوْدَة، تَخْتَارُ لها أفْضَلَ الكَفَاءَات وخِيرَة العُلَمَاء ممَّن يَتَوخُّون الدقة ويَحْرِصُون على الامتياز، ويَضَعُون نُصْبَ أَعْيُنِهم تَعْلِيم رَسُولِ الله ﷺ:"إِنَّ الله يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلًا أَنْ يُتقِنَه"، هكذا سَارَت فيما قَدَّمَت من أعْمَال: