للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان وَرَّاقًا يَبيعُ الكُتُب" ووَصَفَه بأَنَّهُ "مُصَنِّفُ كِتَابِ "الفِهْرِسْت" الذي جَوَّدَ فيه واسْتَوْعَبَ اسْتِيعَابًا يَدُلُّ على اطِّلَاعِه على فُنُونٍ من العِلْم وتَحَقُّقه لجَمِيع الكُتُب" (١). وقد أكَّد ذلك أيضًا مُعَاصِرُهُ الوَزِيرُ جَمَالُ الدِّين عليُّ بن يُوسُف القِفْطِيّ الذي وَصَفَهُ بأَنَّهُ "كان كَثِيرَ البَحْثِ والتَّفْتِيش عن الأُمُورِ القَدِيمَة، كَثِيرَ الرَّغْبَة في الكُتُب وجَمْعها وذِكْر أخْبَارِها وأخْبَار مُصَنِّفِيها ومَعْرِفَة خُطُوطِ المُتَقَدِّمين" (٢). وهو ما يَتَّضِحُ من خِلال صَفَحات كِتابِه حَيْثُ يَسْرِدُ فيه تَقْريبًا أَسْمَاءَ جَمِيع الكُتُب المدوَّنة باللُّغَةِ العَرَبيَّة، تأليفًا وتَرْجَمَةً، التي وُجِدَتْ في عَصْرِه في سُوقٍ الوَرَّاقِين في بَغْدَاد عاصِمَة دَار الخِلافَة، ليس فَقَط ما كَتَبَهُ العُلَمَاءُ والفُقَهَاءُ واللُّغويُّون والنُّحَاةُ والأخْباريُّون والمُتَكَلِّمُون وصُنّاعُ ورُوَاةُ دَواوين الشُّعَرَاء، وأنما أيضًا القِصَص مجهولةَ المُؤَلِّف وقِصَص الجِنّ والعُشَّاق والخُرَافَات وحتَّى كُتُب الطَّبيخ والعِطْر والفِلاحَة.

وقد أتَاحَ له عَمَلُهُ وَرَّاقًا أَنْ يَرَى مُعْظَمَ الكُتُب التي ذَكَرَها وأَنْ يُحَاوِلَ تَحْدِيد قيمتها العِلْمِيَّة والمادِّية، بحيث يَحِقّ لنا أنْ نَثِقَ بما يقولُه من أنَّه رأى هذا الكِتَابَ أو ذاك أو شاهَدَ نُسْخَةً منه بخَطِّ مُؤلِّفِه أو بخَطِّ أحَدِ العُلَماء، فقد تَوَافَرَت له إمكانياتُ مثل هذا العَمَل وأتاحت له حِرْفَتُهُ جَمْعَ الكثير من المادَّة. ورَغْم كلِّ ذلك فقد فاتَه ذِكْرُ الكَثِير من المُؤَلَّفَات التي نَعْرِفُها الآن من خِلالِ الأخْبَار العَدِيدَة التي وَرَدَت عنها في مَصَادِر مُبَكِّرَة وَصَلَ إلينا بَعْضُها (٣).

وأَهَمُ تَرْجَمَةٍ كُتِبَت للنَّديم هي التَّرْجَمَةُ التي خَصَّصَها له أبو عبد الله محمَّد بن محمود البَغْدَادي المعروف بابن النَّجَّار، المتوفَّى سنة ٦٤٣ هـ / ١٢٤٥ م، في "ذَيْل تاريخ بَغْدَاد"، وهي تَرْجَمَةٌ لا تُوجَدُ في ما وَصَلَ إلينا


(١) ياقوت الحموي. معجم الأدباء ١٧:١٨.
(٢) القفطي. إنباه الرواة ٧:١.
(٣) F. SEZGIN، GAS I، p.٣٨٦

<<  <  ج: ص:  >  >>