للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أكَلْتُ بارِدًا أَخَذَ برِجْلي، وإنْ أكَلْتُ حارًّا أَخَذَ برأسي" (١).

حَدَّثَنَا أَبو عُبَيْد الله، قال: حَدَّثنا محمَّد بن العبَّاس النَّحْوي، قال: سَمِعْتُ الجاحِظَ يقول: "أنا من جَانِبي الأَيْسَر مَفْلُوجٌ، فلو قُرِضَ بالمَقارِيض ما عَلِمْتُ، ومنْ جَانِبي الأَيْمَن مُنَقْرِسٌ، فلو مَرَّ به الذُّبَابُ لآلَمت، وبي حَصَاةٌ لا يَتَسَرَّحُ لي البَوْلُ مَعَها، وأشَدّهَا عليَّ سِتٌّ وتِسْعُون" (٢).

قال الجَاحِظُ: "لمَّا قَرَأ المأمُونُ كُتُبي في الإمَامَة، وَجَدَها على ما أَمَرَ به، وصِرْتُ إليه وقد كان أمَرَ اليَزيديَّ بالنَّظَرِ فيها ليُخْبِره عنها. فقال لي المأمُون: "قد كان بَعْضُ من نَرْتَضِي عَقْلَه ونُصَدِّق خَبَرَه خَبَّرَنا عن هذه الكُتُب بإحْكام الصَّنْعَةِ وكَثْرَةِ الفائِدَة، فقُلْنا <له> (a): قد تُرْبي الصِّفَةُ على العِيَان، فلَّما رَأَيْتُها رَأَيْتُ العِيَانَ قد أَرْبَى على الصِّفَة، فلمَّا فَلَيْتُها أَرْبَى الفَلْيُ على العِيَان كما أَرْبَى العِيَانُ على الصِّفَة، وهذه كُتُبٌ لا يُحْتاج إلى حُضُورِ صَاحِبها، ولا تَفْتَقِرُ إلى المُخْبِر عنها] (b)، وقد جَمَعَ اسْتِقْصَاءِ المَعَاني باسْتِقْصَاءِ جَمِيعِ الحُقُوقِ مع اللَّفْظِ الجَزْلِ والمَخْرَجِ السَّهْلِ، <فهو> (a) سُوقي مُلُوكي عَامِي خاصِّي" (٣).

قال محمَّدُ بن إسْحَاق: أظُنُّ الجَاحِظَ حَسَّنَ هذا اللَّفْظَ تَعْظِيمًا لنَفْسِه، وتَفْخِيمًا لتَألِيفِه، وكيف يَقُولُ المأْمُونُ هذا الكلام مَادِحًا لتَصْنِيفٍ أَو مُثْنٍ


(a) من البيان والتبيين.
(b) نَصُّ البيان والتبيين: ولا يفتقر إلى المحتجِّين عنه.