بالمَيْمُونِيَّة التي أظْهَرَت اتِّبَاعَ أبي الخَطَّاب محمَّد بن أبي زَيْنَب الذي دعَا إلى إِلَاهِيَّة عليّ بن أبي طالب، ﵇. وكان مَيْمُونُ وابنُه دَيْصانِيين، وادَّعَى عبدُ الله أَنَّه نَبِيّ مُدَّةً طَوِيلَةً، وكان يُظْهِرُ الشَّعَابيذ ويَذْكُر أنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى له فيَمْضي إلى أَيْنَ أَحَبَّ في أَقْرَبِ مُدَّة. وكان يُخْبِرُ بالأحْدَاثِ الكائِنَاتِ في البُلْدَانِ الشَّاسِعَة. وكان له مُرَتَّبُون في مَواضِع يُرَغِّبهم ويُحْسِن إليهم ويُعَاوِنُون على نَوَامِيسه، ومعهم طُيُورٌ يُطْلِقُونَها من المَوَاضِع المتُفَرِّقَة إلى الموضع الذي فيه بَيَّتَ، فَيُخْبِرُ مَنْ حَضَرَه بما يكُون، فيَتَمَوَّه ذلك عليهم. وكان انْتَقَلَ فنَزَلَ عَسْكَر مُكْرَم، فَكُبِسَ بهَا فَهَرَبَ منها، فنُقِضَت له دَارَان في مَوْضِعٍ يُعْرَفُ بسَابَاط أبي نُوح، فبُنِيَت إِحْدَاهُما مَسْجِدًا والأخرى خَرَابٌ إلى الآن.
وصَارَ إلى البَصْرَة فَنَزَلَ على قَوْمٍ من أوْلادِ عَقِيل بن أبي طالب، فكُبِسَ هُنَاكَ فهَرَبَ إِلى سَلَمِيَّة - بقُرْبِ حِمْص - واشْتَرَى هُنَاكَ ضِيَاعًا وَبَثَّ الدُّعَاةَ إِلى سَوَادِ الكُوفة، فأَجَابَه من هذا المَوْضِعِ رَجُلٌ يُعْرَفُ بحَمْدَان بن الأَشْعَث، ويُلَقَّبُ بِقَرْمَط لقِصَرٍ كان في مَتْنِه وسَاقِه، وكان قَرْمَطُ هذا أكَّارًا نَفَّارًا في القَرْيَة المعروفة بقَسِّ بَهْرَام. ورَأسَ قَرْمَطُ وكان دَاهِيّا، ونَصَبَ لدَعْوَتِه عَبْدَان صَاحِبَ الكُتُب المُصَنَّفَة وأَكْثَرُها مَنْحُولَةٌ إليه، وفَرَّقَ عَبْدَانُ الدُّعَاةَ في سَوَادِ الكُوفَة. وأَقامَ قَرْمَطُ بكَلْوَاذَي. ونَصَبَ له عبد الله بن مَيْمُون رَجُلًا من وَلَدِه يُكاتِبُه من الطَّالَقَان، وذلك في سَنَة إحْدَى وستِّين ومائتَين.
ثم مَاتَ عبدُ الله فخَلَفَه ابنه محمَّد بن عبد الله، ثم مَاتَ محمَّدٌ فَاخْتَلَفَت دُعَاتُهُم وأَهْلُ نِحَلَتِهم، فزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ أخَاهُ أَحْمَد بن عبد الله خَلَفَه، وزَعَمَ آخَرُون أنَّ الذي خَلَفَهُ وَلَدٌ له يُسَمَّى أَحْمَد أيضًا، ويُلَقَّبُ بأَبي الشَّلَعْلَع.
ثم قَامَ بالدَّعْوَةِ بعد ذلك سَعِيدُ بن الحسين بن عبد الله بن مَيْمُون، وكان الحُسَيْنُ مَاتَ في حَيَاةِ أبيه. ومن قِبَلِ سَعِيدٍ انْتَشَرَتْ الدَّعْوَةُ في بني العُلَّيْص الكَلْبِيين.