للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يَزَل عبد الله ووَلَدُه بعد خُرُوجهم من البَصْرَةَ يَدْعُون أنَّهم من وَلَدِ عَقِيل، وكانوا قد أحْكَمُوا النَّسَبَ بالبَصْرَة. فمن وَلَدِ عبد الله انْتَشَرَت الدَّعْوَةُ في الأرْض. وقَدِمَ الدُّعَاةُ إلى الرَّيِّ وطَبَرِسْتان وخُرَاسَان واليَمَن والأحْسَاء والقَطِيف وفَارِس.

ثم خَرَجَ سَعِيدٌ إلى مِصْر (a) فادَّعَى أَنَّه عَلَوِيّ فاطِمِيّ وتَسَمَّى بِعُبَيْد الله، وعَاشَرَ هُنَاكَ النَّوْشَرِيّ ووُجُوهَ أَصْحَابِ السُّلْطان وتَخَوَّق في الأمْوَال. وبَلَغَ خَبَرُه المُعْتَضِدَ فَكَتَبَ في القَبْضِ عليه، فهَرَبَ إلى المَغْرِب. وقد كانت دُعَاتُه هُنَاكَ قد غَلَبَت على طَائِفتين من البَرْبَر، وكانت له أحَادِيثُ مَعْرُوفَة.

ووَطَّأ لنَفْسِه ذلك البَلَدَ ثم نَظَرَ إلى ما ادَّعَاهُ من نَسَبٍ (b) لا يُقْبَل منه، فأظْهَرَ غُلامًا حَدَثًا وزَعَمَ أَنَّه من وَلَدِ محمَّد بن إِسْمَاعِيل، وهو الحَسَن أبو القَاسِم (c) ، وهو القَيِّم بالأمْر بعد عُبَيْد الله.

وفي أيَّامِه ظَهَرَ في كَثِيرٍ من أتْبَاعِه الاسْتِخَفافُ بالشَّرِيعَة والوَضْعُ للنبوَّة، فَخَرَجَ عليه رَجُلٌ يُعْرَفُ بأبي يَزيدٍ المُحْتَسِب، واسْمُهُ مَخْلَد بن كَيْدَاد البَرْبَري البراتي بن يَقْرَن الإِبَاضِي النَّكَّارِي؛ ويُعْرَفُ بصَاحِب الحِمَار. فَكَثْرَ أَتبَاعُه ومُعَاوِنُوهِ فَحَارَبَه وحَصَرَه في المَهْدِيَّة إلى أنْ مَاتَ الحَسَنُ في الحِصار، فَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُه إِسْمَاعِيل ويُكنى أبا طَاهِر، فأظْهَرَ تَعْظيمَ الشَّرِيعَة. وأظْهَرَ أَبو يَزِيد مَذْهَبَ الإِبَاضِيَّة فَأَقْفَلَ عنه النَّاسُ، فقُتِلَ وصُلب، وذلك في سَنَة سِتٍّ وثَلاثين وثلاث مائة.


(a) هنا حَاشِيَةٌ على الأصْل بخَطِّ المقريزي نَصُّها: "هذا تَخلِيطٌ: الذي تُسَمِّيه سَعِيد هو عبيد الله المَهْدِي وأبو القاسم هو ابنه المُلَقَّب بالقائم قَدِمَ معه مصر وسَارَ به إلى المغرب، فما هذا الذي تُوهِمُ به". ونُقِلَت هذه الحاشية وكذلك الحاشية التَّالية على هامش نسخة كوبريلي رقم ١١٣٤ المنقولة من القسم المحفوظ من نُسْخَة الأَصْل في مكتبة شهيد علي باشا.
(b) الأَصْل: نَسَبه.
(c) حَاشِيَةٌ أخرى بخَطِّ المقريزي نَصُّها: "هذا تَخْلِيطٌ آخر الذي خَرَجَ عليه أبو يزيد والذي هو والد إسماعيل ما اسْمُهُ إلَّا محمد وقيل عبد الرحمن، وأمَّا الحَسَنُ فلم يَتَسَمَّ به ولا قاله غَيْرُك".