للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو كائِنٌ من الأمُورِ قبل ظُهُورِ أَسْبَابِها ومَعْرِفَةِ النَّاسِ بها، على ما وَصَفَ أَهْلُ بابِل في كُتُبهم، وتَعَلَّمَ أهْلُ مصر منهم، وعَمِلَ به أهْلُ الهِنْد في بِلادِهم، على مِثَالِ ما كان عليه أوَائِلُ الخَلْقِ قبل مُقارَفَتهم المَعَاصِي وارْتكابِهم المَسَاوِئ ووُقُوعِهِم في لَجَجِ الجَهالَة. إلى أنْ لُبِسَّت عليهم عُقُولُهم، وأضِلَّت عنهم أخلامُهم، فإِنَّ ذلك قد كان بَلَغَ منهم - فيما ذُكِرَ في الكُتُبِ من أمُورِهم وأعْمالِهم - مَبْلَغًا دلّه عُقُولَهم وحَبَّرَ حُلُومَهم وأهْلَكَ عليهم دِينَهُم، فصَارُوا حَيارَى ضُلَّالًا لا يَعْرِفُون شَيْئًا. فلم يَزَالُوا على ذلك حِينًا من الدَّهْرِ حتى أيَّدَ مَنْ خَلَفَ مِن بَعْدِهِم ونَشَأ من أَعْقَابِهِم وذَرَأ من أصْلابِهم بالتَّذَكُّرِ لتلك الأمُور والفِطْنَةِ لها (والمَعْرِفَة بها، والعِلْم بالماضي (b) من أحْوَالِ الدُّنْيَا) (a) في شَأنِها وسِيَاسَة أوَّلِها والمُؤْتَنف من تَدْبِير أَوْسَطِها، وعاقِبَة آخرِها وحَالِ سُكَّانِها ومَواضِع أفْلاكِ سَمائها وطُرُقِها ودَرَجها ودقائِقها ومَنَازِلها - العُلْوِيّ منها والسُّفْلِيّ - بمَجَارِيها وجَميعِ أَنْحَائِها، وذلك على عَهْدِ جَمّ ابن أونْجَهَان الملِك، فعَرَفَت العُلَمَاءُ ذلك ووَضَعَتْهُ في الكُتُبِ، وأَوْضَحَت مَا وَضَعَت منه، ووَصَفَت مع وَصْفِها ذلك الدُّنْيَا وجَلَالَتَها ومُبْتَدأ أَسْبَابها وتأسِيسَها ونُجُومَها وحَالَ العَقَاقِير والأدْوِيَة والرُّقَى وغير ذلك ممَّا هو آلة النَّاسِ يَصْرِفُونَها فيما هو مُوَافِقٌ لأهْوَائِهِم من الخَيْرِ والشَّرِّ. فكانوا كذلك بُرْهَةً وعَصْرًا، حتى مَلَكَ الضَّحَّاكُ بن قَيٍّ (من غير كلام أبي سَهْل قال: دَهُ آكَ مَعْنَاهِ عَشْر آفَات، فَجَعَلَتْهُ العَرَبُ الضَّحَّاك - رَجَعْنَا إلى كَلام أبي سَهْل) بن قيّ، في حِصَّة المُشْتَرِي ونَوْبَته وولايَتِه وسُلْطَانِه من تَدبِير السِّنِين بأَرْضِ السَّوَاد بني مَدِينَةً اشْتُقَّ اسْمُها من اسْم المُشْتَرِي، فَجَمَعَ فيها العِلْمَ والعُلَماءَ وبنَىَ بِهَا اثْنَي عَشَر قَصْرًا عَلَى عِدَّةِ بُرُوجِ السَّمَاء وسَمَّاهَا بأَسْمَائِها، وخَزَنَ كُتُبَ أهْلِ العِلْم، وأَسْكَنَها العُلَمَاءَ (من غير كلام أبي سْهَل: بَنَي سَبْعَة بُيُوت على عَدَدِ الكَوَاكِب السَّبْعَة، وجَعَلَ كُلَّ بَيْتٍ منها


(a) ك ١ وليدن: والمعرفة للماضي من أحوال الدنيا.
(b) الأصْل: العلم الماضي.