للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى رَجُلٍ، فجَعَلَ بَيْتَ عُطَارِد إلى هِرْمِس، وبَيْتَ المُشتَرِي إلى تينكلُوس، وبَيْتَ المَرِّيخ إلى طِينْقَرُوس … رَجَعَنَا إلى كلام أبي سَهْلِ) فانْقَادَ لهم النَّاسُ، وانْقَادُوا لَقَوْلِهم ودَبَّرُوا أمُورَهُم، لَمَعْرِفَتِهم بفَضْلِهم عليهم في أنْوَاع العِلْم وحِيَل المَنَافِع، إلى أنْ بُعِثَ نَبِيٌّ في ذلك الزَّمَان، فإنَّهم أنْكَرُوا عند ظُهُورِه وما بَلَغَهُم من أَمْرِه، عِلْمَهُم، واخْتَلَطَ عليهم كثيرٌ من رَأيهم، فتَشَتَّتَ أمْرُهم واخْتَلَفَت أَهْوَاؤهم وجَمَاعَتُهم. فأمَّ كُلُّ عَالِمٍ منهم بَلْدَةً ليَسْكُنَها ويكون فيها ويَتَرَأس على أهْلِها، وكان فيهم عَالِمٌ يُقالُ له هِرْمِس - وكان من أكْمَلِهم عِقْلًا وأَصْوَبِهِم عِلْمًا وأَلْطَفِهِم نَظَرًا - فَسَقَطَ إِلى أَرْضِ مِصْر. فَمَلَكَ أهْلَها وعَمَّرَ أَرْضَها وأَصْلَحَ أَحْوَالَ سُكَّانِها، وأَظْهَرَ عِلْمَهُ فيها (١).

وبَقِيَ جُلُّ ذلك وأكْثرُه ببَابِل، إلى أن خَرَجَ الإِسْكَنْدَرُ مَلِكُ اليُونَانِيين غَازِيًا أَرْضَ فَارِس من مَدِينَة للرُّوم يُقالُ لها مَقْدُونْيَة، عند الذي كان من إنْكارِه الفِدْيَة التي لم تَزَل جَارِيَةً على أهْلِ بَابِل ومَمْلَكَة فَارِس، وقَتْلِهِ دَارَا بن دَارَا الملك واسْتِيلائِه على مُلْكِه وهَدْمِه المَدَائِن وإخْرَابِه المَجَادِل المَبْنِيَّة بالشَّياطِين والجَبَابِرَة وإهْلاكِه ما كان في صُنُوفِ البِنَاءِ من أَنْوَاعِ العِلْم الذي كان مَنْقُوشًا مَكْتُوبًا فِي صُحُورِ ذلك وخَشَبِه، بِهَدْمِ ذلك وإحْرَاقِه وتفريق مُؤْتَلِفِه. ونَسَخَ ما كان مَجْمُوعًا من ذلك في الدَّوَاوِين والخَزَائِن بمَدِينَة إصْطَخْر وقَلَبَه إلى اللِّسَان الرُّومِيّ والقِبْطِيّ، ثم أَحْرَقَ، بعد فَرَاغِه من نَسْخِ حَاجَته منها، ما كان مَكْتوبًا بالفَارِسِيَّة، وكِتَابٌ يُقالُ له "الكَشْتَج"، وأَخَذَ ما كان يَحْتَاجُ إليه من عِلْمِ النُّجُوم والطِّبّ والطَّبَائِع، فبعَثَ بتلك الكُتُبِ وسَائِر ما أصَابَ من العُلُوم والأمْوَال والخَزَائِن والعُلَمَاء إِلى بِلادِ مِصْر.

وقد كانت تَبَقَّت أَشْيَاءٌ بِنَاحِيَة الهِنْد والصِّين، كانت مُلُوكُ فَارِس نَسَخَتْها على عَهْدِ نَبِيِّهِم زَرَادَشْت وجَامَاسْب العَالِم وأحْرَزَتْها هناك لمَّا كان نَبِيُّهُم زَرَادَشْت وجَامَاسْب حَذَّرَاهُم من فَعْلَة الإِسْكَنْدَر، وغَلَبَتْه على بِلادِهم، وإهْلاكِه ما قَدَرَ


(١) انظر فيما يلي ٢١٣، ٤٤٣.