للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه من كُتُبِهم وعِلْمِهم وتَحْويلِه إيَّاه عنهم إلى بِلادِه. فَدَرَسَ عند ذلك العِلْمُ بالعِرَاق وتَمَزَّقَ، واخْتَلَفَت العُلَمَاءُ وقَلَّت، وصَارَ النَّاسُ أَصْحَابَ عَصَبِيَّةٍ وفُرْقَة، وصَارَ لكُلِّ طَائِفَةٍ منهم مَلِكٌ فسُمُّوا "مُلُوكَ الطَّوَائِف"، واجْتَمَعَ مُلْكُ الرُّوم لملِكٍ وَاحِد بعد الذي كان فيهم من التَّفَرُّق والاخْتِلاطِ والتَّحَارُبِ قَبْلَ مُلْكِ الإسْكَنْدَر، فصَارُوا بذلك يَدًا وَاحِدَةً.

ولم يَزَلْ مُلْكُ بَابِل مُنْتَشِرًا ضَعِيفًا فَاسِدًا ولم يَزَلْ أَهْلُهُ مَقْهُورِين مَغْلُوبِين لا يَمْنَعُون حَرِيمًا ولا يَدْفَعُون ضَيْمًا، إلى أنْ مَلَكَ أرْدَشِير بن بَابَك من نَسْلِ سَاسَان، فأَلَّفَ مُخْتَلَفَهم وجَمَعَ مُتَفَرّقَهم وقَهَرَ عَدُوَّهُم، واسْتَوْلى على بِلادِهِم واجْتَمَعَ له أَمْرُهُم وأَذْهَبَ عَصَبيَّتَهم واسْتَقَامَ له مُلْكُهُم. فبَعَثَ إلى بِلادِ الهِنْد والصِّين في الكُتُبِ التي كانت قِبَلَهُم وإلى الرُّوم، ونَسَخَ ما كان سَقَطَ إليهم، وتَتَبَّع بَقَايا يَسِيرَة بَقِيَت بالعِرَاق فجَمَعَ منها ما كان مُتَفَرَّقًا، وأَلَّفَ منها ما كان مُتَبايِنًا.

وفَعَل ذلك من بَعْدِه ابنُه سَابُور، حتى نُسِخَت تلك الكُتُب كلُّها بالفَارِسِيَّة، على ما كان هِرْمِسُ البَابِليّ الذي كان مَلِكًا على مِصْر، ودُورُنْيوس السُّرْيَانِيّ، وفيدُرُوس اليُونَانِيّ من مَدِينَة أثِينس المذكورَة بالعِلْم، وبَطْلَمْيُوس الإسْكَنْدَرَانِيّ وفرْمَاسب الهِنْدِيّ، فَشَرَحُوها وعَلَّمُوها النَّاسَ على مِثْل ما كانوا أَخَذُوا من جَميعِ تلك الكُتُب التي كان أصْلُها من بَابِل.

ثم جَمَعَها وألَّفَها وعَمِلَ بها من بَعْدِهما كِسْرَى أَنُوشَرْوَان، لنيَّتِه كانت في العِلْم ومَحَبَّتِه، ولأهْلِ كلِّ زَمَانٍ ودَهْرٍ تَجَارِبُ حَادِثَةٌ وعِلْمٌ مُجَدَّدٌ لهم على قَدْرِ الكَواكِب والبُرُوجِ الذي هو وَلِيُّ تَدْبِيرِ الزَّمَان بِأَمْرِ الله تَعَالى جَدّه.

انْقَضَى كَلامُ أَبي سَهْل.

وحَكَى إِسْحَاقُ الرَّاهِب في "تَارِيخه": أنَّ بِطُولُومَاوُس فِيلادِلْفُوس (١)، من


(١) هو بَطْلَمْيُوس الثَّاني فيلادلْفُوس ptOLEMATUS PHILADELPHUS (٢٨٢ - ٢٤٦ ق. م).