للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبِقَاعَها، فلم يَجِدُوا تَحْتَ أدِيمِ السَّمَاءِ بَلَدًا أَجْمَعَ لهذه الأَوْصَافِ من أَصْبَهَان، ثم فَتَّشُوا عن بِقَاع هذا البَلَد، فلم يَجِدُوا فيها أَفْضَلَ من رُسْتَاق جِي، ولا وَجَدُوا في رُسْتَاقِ جي أَجْمَع لما رَامُوه من المَوْضِع الذي اخْتُطّ من بعد فيه بدَهْرٍ دَاهِرٍ، مَدِينَة جي. فجاءوا إلى قُهُنْدِزهو فِي دَاخِل مَدِينَة جِي، فأَوْدَعُوه عُلُومَهُم. وقد بقي إلى زَمَانِنَا هذا، وهو يُسَمَّى سَارُوَيْه (١).

ومن جهَةِ هذه البِنْيَة دَرَى النَّاسُ مَنْ كان بَانِيها. وذلك أنَّه لمَّا كان قَبْل زَمَانِنَا هذا بسِنين كَثيرة، تَهَدَّمَت من هذه <المَصْنَعَةِ> (a) نَاحِيَةٌ، فَظَهَرُوا فيها على أَزَجٍ مَعْقُودٍ من طِين السَّفْتَقِ، فَوَجَدُوا فيه كُتُبًا كَثِيرَةً من كُتُبِ الأَوَائِل مَكْتُوبَةً كلَّها في لِحَاء التَّوْز، مُودَعَةً أَصْنَافَ عُلُوم الأوَائِل بالكِتابَة الفَارِسية القَدِيمَة، فوَقَعَ بعضُ تلك الكُتُب إلى من عُنِي به فقَرأه فوَجَدَ فيه كِتَابًا لبَعْض مُلُوكِ الفُرْسِ المُتَقَدِّمين، <يَذْكُر فيه< (أَنَّ طَهُمُورَث المَلِك المحِبّ للعُلُوم وأهْلِهَا، كان انْتَهَى إليه قَبْل الحَدَث المَغْربي الذي كان من جَدْب الجَوّ في تَتَابُع الأمْطَار هُنَاك، وإِفْرَاطِهَا في الدَّوم والغَزَارَة، وخُرُوجِها عن الحَدِّ <والعَادَة>) (b)، وأنَّه كان من أوَّل يوم من سِنِيّ مُلْكِه إلى أوَّل يَوْم من بَدْء هذا الحَدَث المَغْربي مائتان وإحْدَى وثَلاثُونَ سَنَةً وثلاث مائة يَوْم، وأنَّ المُنَجِّمين كانوا يُخَوِّفُونَه من أوَّلِ ابْتِدَاء مُلْكِه، تَعَدِّي هذا الحَدَث من جَانِب المَغْرِب إلى ما يَلِيه من جَانِب المَشْرِق، فأمر المُهَنْدِسِين بإيقَاع الاخْتَيار على أصَحِّ البِقَاع في المَمْلَكَة تُرْبَةً وهَوَاءً، فَاخْتَارُوا له مَوْضِعَ البِنْيَة <المَعْرُوفَة> (b)، بسَارْوَيْه، وهي قائِمةٌ إلى السَّاعَة دَاخِل مَدِينَة جِي، فَأَمَرَ بِابْتِنَاء هذه البِنْيَة الوَثِيقَة، فلمَّا فُرِغَ له منها نَقَلَ إليها من خَزَائِنِه عُلُومًا كَثِيرَة مُخْتَلِفَة الأَجْنَاس، فحُوِّلَت له


(a) بياض بالأصْل، وليدن: البُنْيَه والمثبت من حمزة الأصبهاني.
(b) إضافة من حمزة الأصبهاني.