وهذا إشارة منه - صلى الله عليه وسلم - إلى مفارقتها من طريق الورع، لا من طريق الحكم، أخذًا بالاحتياط في القدح، وليس فيه دلالة على وجوب الحكم بقول المرأة الواحدة، لأن سبيل الشهادات أن تقام عند الحكام، ولم يوجد ها هنا إلا إخبار امرأة عن فعلها في غير مجلس الحكم، والزوج مكذب لها.
وقد اختلفوا في عدد من يثبت الرضاع به من النساء، فذهب بعضهم إلى ثبوته بشهادة المرأة الواحدة، وتستحلف، وروي ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن وأحمد وإسحاق، وذهب بعضهم إلى أنه لا يثبت بأقل من أربع نسوة، وكذلك كل ما لا يطلع عليه إلا النساء غالبًا كالثيوبة والبكارة والولادة والحيض وهو قول الشافعي، وقال مالك: يثبت بشهادة امرأتين، ونقل عن أبي حنيفة ثبوت الولادة بشهادة القابلة وحدها، إذا كان الحمل ظاهرًا، والفراش قائمًا، وعن علي أنه أجاز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال.
٢٣٦٥ - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث جيشًا يوم حنين إلى أوطاس، وأصابوا سبايا، فكأن ناسًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تحرّجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن.
قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم في النكاح من حديث أبي سعيد. (١)
وأوطاس: بهمزة مفتوحة وواو ساكنة وطاء وسين مهملتين بينهما ألف موضع بالطائف يصرف ولا يصرف، ومعنى تحرجوا: خافوا الحرج، وهو الإثم، من غشيانهن: أي من وطئهن من أجل أنهن زوجات، والمزوجة لا تحل لغير زوجها، فأنزل
(١) أخرجه مسلم (١٤٥٦)، وأبو داود (٢١٥٥)، والنسائي (٦/ ١١٠).